شعار قسم ميدان

فورين أفيرز: لماذا نجح كوربن وفشل هولاند؟

ميدان - فرنسا
مقدمة المترجم
هذه مادّة تجيب عن السؤال التالي: كيف نجحَ كوربن في المملكة المتحدة، وفشل هولاند في فرنسا؟ وتوضّح المادّة كيف أنّ العامل الاقتصاديّ كان هو السبب في ذلك النجاح، وذاك الفشل.

 

نص التقرير
أسفرت الانتخابات الأخيرة في فرنسا والمملكة المتحدة عن نتائج متباينة على عدد من المستويات. ففي فرنسا، فاز الوسطيّ إمانويل ماكرون، المرشَّح ضئيل الحظّ، فوزا حاسما على مارين لوبن اليمينيّة المتطرفة، مما يدلّ على الحدود الانتخابية لبرنامجها الحمائيّ والمعادي للمهاجرين، وممّا مهد الطريق لبرنامج الإصلاح الاقتصاديّ واندماج أوروبيّ أعمق. وفي المملكة المتحدة، راهنت رئيسة الوزراء المحافِظة تيريزا ماي، وهي خبيرة سياسيّة بارزة، على إجراء انتخابات مبكّرة في محاولة لتكثِير أغلبيّتها البرلمانيّة الضئيلة، وانتهى الأمر بعدم وجود أغلبيّة إطلاقا.
 
 
إنّ نجاح ماكرون وفشل ماي له انعكاسات كبيرة على مستقبل الاتحاد الأوروبيّ: حيث إنّ الرئيس الفرنسيّ الجديد ملتزم التزاما لا لبس فيه بالمشروع الأوروبيّ، في حين أن غالبيّة الناخبين البريطانيين انقلبت على رؤية زعيمة المحافظين لما يسمى ببِركسيت الصّلبة. والتنبؤات بأنّ الاتحاد الأوروبيّ سينهار تحت ثقل ثورة شعبيّة قد أثبتت أنّه أمر سابق لأوانه. وبدلا من ذلك، أعطى انتصار ماكرون للتكامل الأوروبيّ زخما متجددا، في حين أنّ قرار المملكة المتحدة الجريء بمغادرة الاتحاد الأوروبيّ يفسح المجال أمام تحقيق أكثر اتزانا للمترتبّات على الخروج عن الكتلة.

  

مثَّلَ التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ في استفتاء (يونيو/حزيران) ٢٠١٦، احتجاجا على رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، الذي استقال بعد فترة وجيزة من ذلك
مثَّلَ التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ في استفتاء (يونيو/حزيران) ٢٠١٦، احتجاجا على رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، الذي استقال بعد فترة وجيزة من ذلك
  

تقدِّم النتائج درسا صارخا لقادة الأحزاب اليساريّة الوسطيّة في جميع أنحاء العالم الديمقراطيّ. ولم يكن يحظى سلف ماكرون، الاشتراكيّ فرانسوا هولاند، بشعبية كبيرة لأنّه رفض الترشح لولاية ثانية، وانتهى اختيار حزبه بأن يَستبدلوه، ببِينوا هامون، في المركز الخامس المهين في الجولة الأولى للانتخابات، مع ما يزيد قليلا عن 6% من التصويت. وعلى الرغم من الجهود الجيدة التي بذلها هامون، فإنّه لم يكن لديه الوقت الكافي لإحياء وسْم [براند -م] الحزب الاشتراكي، والتي شوهته رئاسة هولندا. وعلى النقيض من ذلك، فاجأ حزب العمل البريطانيّ، الذي يتولّى قيادته جيرمي كوربن اليساريّ بشكل غير قابل للاعِتذار، المرشحين للانتخابات، بفوزه بنسبة ٤٠% من الأصوات.

 

وفي السنوات الأخيرة، رأت الحكمةُ التقليديّة أن الأحزاب الاشتراكيّة والديمقراطيّة الاجتماعيّة يجب أن تتعامل مع المركز لكسب السلطة. لكن حزب كوربن، الذي ما يزال في المعارضة، حصل على ثلاثة ملايين ونصف المليون من الأصوات، أكثر مما فعله الحزب في عهده البراغماتيّ السابق إد ميليباند، وأخذ أصواتا أكثر من أيّ زعيم آخر في حزب العمل منذ أغلبيّة توني بلير عام ١٩٩٧. إنّ نجاح كوربن الانتخابيّ النابع من موقف يساريّ لا لبسَ فيه ليس فقط نقطة تحول في سياسة اليسار البريطاني. إنّه أيضا له تداعيات أوسع على القوى التقدميّة عبر العالم الديمقراطيّ. ومثله مثل صعود قوات جديدة من اليسار في اليونان والبرتغال وإسبانيا والولايات المتحدة، فإنّه يشير إلى أنّ هناك مطلبا لم يتم استغلاله سابقا من أجل سياسة تقدميّة تُعالج بشكل أكثر قتاليّة اللامساواة والركود الاقتصاديّ للرأسمالية المعاصرة.

 

عندما فشل هولاند
تشيرُ الثغرات المتناقضة للأحزاب الاشتراكيّة والعماليّة إلى الصعوبات التي يواجهها شاغلو الوظائف عندما يرأسون الركود الاقتصاديّ والتقشف الماليّ. كان لحزب العمل سُوء حظّ في الحكم خلال الأزمة المالية عام ٢٠٠٨، وسرعان ما حمل المحافظون المعارضون اللوم على رئيس الوزراء جوردون براون بسبب الركود الناتج عن ذلك، مما حدا بهم لجني ثمار الانتخابات في عامي ٢٠١٠ و٢٠١٥. والآن، وبعد سبع سنوات من التقشف، فإنّ الجمهور البريطانيّ يُلقي اللوم على المحافظين في الأزمنة الصّعبة.

 

مثَّلَ التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ في استفتاء (يونيو/حزيران) ٢٠١٦، على الأقلّ جزئيّا، احتجاجا على رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، الذي استقال بعد فترة وجيزة من ذلك. فشلت تيريزا ماي في تعلُّم هذا الدرس، داعيةً إلى معاملة مماثلة من الناخبين المنهكين بأسوأ نموّ للأجور لأيّ اقتصاد أوروبيّ، باستثناء اليونان. أمّا كوربن، وهو متمرّد خلال سنوات بلير وبراون، فبالكاد يمكن أن يلقي باللوم على المشاكل الاقتصاديّة في المملكة المتحدة.

  

على الرغم من أن ماكرون فاز بثلثي الأصوات، فقد كان الإقبال على الانتخابات فى الجولة الثانية هو الأقلّ في الانتخابات الرئاسيّة في تاريخ الجمهوريّة الخامسة (الأوروبية)
على الرغم من أن ماكرون فاز بثلثي الأصوات، فقد كان الإقبال على الانتخابات فى الجولة الثانية هو الأقلّ في الانتخابات الرئاسيّة في تاريخ الجمهوريّة الخامسة (الأوروبية)

 

وفي المقابل، استفادَ هولاند، الذي انتُخب عام ٢٠١٣ في ذروة أزمة منطقة اليورو، من عجز سلفِهِ نيكولا ساركوزي لإنقاذ فرنسا من الركود. ومع ذلك، لم يحرز هولاند سوى تقدّم ضئيل في المشاكل الاقتصاديّة في فرنسا، معتمدا على خطّ براغماتيّ في السياسة الاقتصاديّة، تَولى هولاند موقف الاقتصاد الكلّي التقييدي الذي فرضته مؤسسات الاتحاد الأوروبيّ بدعم ألمانيّ من خلال الالتزام، على سبيل المثال، بأهداف خفض العجز التي صدر بها تكليف من الاتحاد الأوروبيّ ودعم اعتماد ما يسمى بالستّ حزم للقواعد الماليّة الصارمة. وبعد أن وعد هولاند بالتغيير في حملته الانتخابيّة، أخفق في تحقيق ذلك، وعوضا عن ذلك، أجرى إصلاحات طفيفة في كل من الاتجاهين التقدميّ والنيوليبراليّ.

  

وبعد رفع الضرائب على الكَسَبَةِ في عام ٢٠١٣، على سبيل المثال، سرعان ما تحول إلى المركز، وعرض تدابير تحريريّة أضعفت حماية العمّال، وأتاح مزيدا من المرونة في عقود العمل، ووجّه احتجاجات من العمال الفرنسيين. وأدّى فشل منطقة اليورو في العودة إلى النموّ وامتثال هولاند للقواعد الأوروبية الصارمة بشأن تخفيض العجز -الذي يشكّل عائقا أمام النموّ- إلى تحول الناخبين، الذين أغضبتهم مستوياتُ المعيشة الراكدة، ضدّ إدارته. وبعد عامين فقط في الإليزيه، أصبح الرئيس الأكثر لاشعبيّة في تاريخ الجمهوريّة الخامسة.

 

على الرغم من محاولة ماي للفوز بولاية واضحة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الصلب، فقد زادت حصتها من ٣٧% إلى ٤٢% وأبادت عمليا حزب الاستقلال البريطاني الشعبوي

وفي هذا السياق، كان انتصار ماكرون بعيدا عن التأييد الواضح لإصلاح المدعِّم للسوق والوحدة الأوروبية التي هرع بعض المراقبين لإعلانها. وفي الجولة الأولى من الانتخابات، أيّد حوالي ٤٠% من الناخبين، المُرشحين الذين رفضوا سياسات التقشف المرتبطة بمنطقة اليورو: فقد حصلت لوبان على ٢١% من الأصوات وحصل السياسيّ اليساريّ جان لوك مِيلينتشون على ١٩%. ولأنّ المرشح الجمهوري كان فرانسُو فيون المشبوه، فقد كان المجال مفتوحا أمام ماكرون للفوز بالجولة الأولى وحشد الدعم من قوى فرنسا الديمقراطيّة على نطاق واسع لِمعارضة لوبان في جولة الإعادة في ٧ (مايو/أيار). وعلى الرغم من أن ماكرون فاز بثلثي الأصوات، فقد كان الإقبال على الانتخابات فى الجولة الثانية هو الأقلّ في الانتخابات الرئاسيّة في تاريخ الجمهوريّة الخامسة، بينما أدلى حوالي ٩% من الناخبين بأصواتهم احتجاجا. وفي الانتخابات التشريعية التي جرت بعد شهرٍ، انخفضت نسبة الإقبال على التصويت إلى أقل من ٥٠% في الجولة الأولى من التصويت وأقل قليلا من ٤٠% في الثانية -وهو انخفاض تاريخيّ بفارق ضخم.

 

وفي المملكة المتحدة، ارتفعت نسبة المشاركة من ٦٦% في عام ٢٠١٥ إلى ٦٩% هذا العام. وعلى الرغم من محاولة ماي للفوز بولاية واضحة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ الصّلب، فقد زاد حصّتها من ٣٧% إلى ٤٢% وأبَادت عمليّا حزب الاستقلال البريطانيّ الشعبويّ. كانت ماي تأمل، وهي المُشجَّعة باستطلاعات الرأي التي تنبأت بأغلبية كبيرة لحزبها، بكسب بعض المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال التي صوتت بقوة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ في عام ٢٠١. وبالأخير، لم يكتف حزب العمال بالتألق في معاقله التقليديّة، بل حقّقَ أيضا مكاسب مهمّة، سيّما في المناطق المؤيّدة للبقاء مثل لندن واسكتلندا وبعض المدن الجامعيّة.

 

صحوة حزب العمل
من العدل أن نشير إلى أن هامون، المرشح الاشتراكيّ للرئاسة الفرنسيّة، اتبع إستراتيجية مشابهة لإستراتيجيّة كوربن، وتحوّل إلى اليسار ونأى بنفسه عن هولاند
من العدل أن نشير إلى أن هامون، المرشح الاشتراكيّ للرئاسة الفرنسيّة، اتبع إستراتيجية مشابهة لإستراتيجيّة كوربن، وتحوّل إلى اليسار ونأى بنفسه عن هولاند
  
كيف نجحَ جيرمي كوربن حيث فشل نظيره الفرنسيّ؟ دخل حزب العمل الحملة الانتخابيّة على ظهره، بعد أن عانى عامين من العذاب الداخليّ منذ انتخاب كوربن كزعيم له، بما في ذلك التصويت على عدم الثقة في قيادته التي أيدها نحو ٨٠% من نواب حزب العمل وانتخابات القيادة الثانية، التي فَازها كوربن مرة أخرى في صيف عام ٢٠١٦. ولكن في الفترة التي سبقت التصويت، كتبَ الحزب بيد واحدةٍ مانيفستو طموحا يساريّ الهوى وعد بإلغاء الرسوم الدراسية الجامعيّة، وتأميم السكك الحديديّة وشركات المياه، وإلغاء التخفيضات على الرعاية الصحيّة والتعليم، وحظر ما يسمّى بالعقود الساعة-صفر (التي لا يلزم بموجبها أرباب العمل بتزويد الموظفين بحدّ أدنى من ساعات العمل)، وإدخال ضوابط الإيجار، وضمان زيادات المعاشات التقاعديّة. وحاججَ الحزبُ بأنّ التكلفة المقدَّرة هي٦١ مليار دولار لهذه التدابير، من خلال زيادة الضرائب على البريطانيين الذين يكسبون أكثر من ٨٠٠٠٠٠ جنيه استرليني (ما يقرب من ١٠٢٠٠٠$) سنويّا وارتفاع في معدل الضريبة على الشركات.
 
 
وقد جاءت هذه الوثيقة بعد انحسار صارخ عن التحذير من بيانات العمل السابقة، ووعدت بإلغاء التقشف وإعادة توزيع الثروة من الأغنياء إلى الباقين. (وأشار بعض المراقبين إلى أنّ الطبقة الوسطى ستكسب في الواقع المزيد من بعض وعود الحزب من الفقراء الحقيقيين). من جانب آخر، على الرغم من أن الوثيقة ادّعت أن مقترحاتها من شأنها أن تقلل من الدَّين العامّ مع مرور الوقت، إلّا أنّها لم تحكِ سوى القليل حول كيفية تحقيق ذلك. وكان ردُّ فعل المحافظين والصحافة اليَميِنيّة هو الرفض -ولكن حتى المعهد غير الحزبي للدراسات الماليّة اشتكى من أنّ تأثير مقترحات الحزب على ميزانية المملكة المتحدة سيكون من المستحيل تحديده.

 

إن الدرس المُستفاد من الانتخابات الأخيرة في الديمقراطيات الغنية هو أن حاملي الوظائف، مع وجود استثناءات قليلة، هم في موقف دفاعي؛ لأن الناخبين تعبوا من التقشف وعدم المساواة

هذا القليل المتوقّع بفوز حزب العمل قد ساعد في نزع فتيل هجمات المحافظين على الكفاءة الاقتصاديّة لِكوربن. بيد أنّ العديدَ من الناخبين الأصغر سنا قد اِجتذبتهم أيضا رسالة الحزب المتفائلة. ففي السنوات الأخيرة، أصبحت السياسة الانتخابيّة البريطانية مستقطبةً بشكل استثنائيّ بين المتقاعدين، الذين يميلون إلى التصويت للمحافظين، وأولئك الذين تقل أعمارهم عن ٤٠ عاما، والذين يتجهون بقوة نحو حزب العمل. وقد ساعدت نسبة المشاركة العالية بين الإقبال القديم والمنخفض بين الشباب المحافظين على الفوز بالانتخابات في الماضي. وفي هذه المرة، أثارت رسالة يساريّة أكثر طموحا من حزب العمل إقبالا بين مؤيديه، وساعدت على سدّ الفجوة. لقد حققَ حزب العمل مكاسب غير متكافئة في المناطق ذات السكان الأصغر سنّا وعزّز قبضته على لندن -حتى فاز في الدائرة الانتخابيّة في كنسينغتون، أغنى منطقة في البلاد.

 

ومن العدل أن نشير إلى أن هامون، المرشح الاشتراكيّ للرئاسة الفرنسيّة، اتبع إستراتيجية مشابهة لإستراتيجيّة كوربن، وتحوّل إلى اليسار ونأى بنفسه عن هولاند. وتعهّد هامون بإدخال دخل أساسيّ عالميّ، وحملَ أرباب العمل مسؤولية إرهاق الموظفين، وإلغاء ديون الإنقاذ للبلدان الضعيفة في منطقة اليورو، مثل اليونان وإيطاليا. ولكن ضعف عرضه قد يكون أقل ارتباطا بهذه السياسات من حقيقة أنّه تم إِجهاضه في اليسار من قبل مِيلينشون، الذي أعطاه خطابه الناريّ وانشقاقه السابق عن الاشتراكيين صورة اللامنتمي التي افتقرَ إليها هامون.

  

إذا وافق حزب العمل على خطط المحافظين لقطع العلاقات مع القارّة، فَستزول الزيادة في الدعم الذي حصل عليه كوربن من الطبقة الوسطى المتعلّمة في المملكة المتحدة المؤيدة لأوروبا (الأوروبية)
إذا وافق حزب العمل على خطط المحافظين لقطع العلاقات مع القارّة، فَستزول الزيادة في الدعم الذي حصل عليه كوربن من الطبقة الوسطى المتعلّمة في المملكة المتحدة المؤيدة لأوروبا (الأوروبية)

 

والحال أنّ الدرس المُستفاد من الانتخابات الأخيرة في الديمقراطيات الغنيّة هو أنّ حاملي الوظائف، مع وجود استثناءات قليلة، هم في موقف دفاعيّ لأنّ الناخبين تعبوا من التقشف وعدم المساواة. هذه الإحباطات خطرة بشكل خاصّ على السياسيين البراغماتيين الليبراليين الذين هيمنوا على يسار الوسط السائد لسنواتٍ. ومثّل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ والخسارة الصادة لهيلاري كلينتون أمام دونالد ترمب صيحات إنذار   كان بعض البراغماتيين في اليسار عازفين عن سماعها. وبشكل غير متوقع، يوضّح حزب العمل الآن كيف يمكن لليسار توجيه المطالب على نطاق واسع من أجل التغيير.

 

وما تعنيه هذه النتائج بالنسبة إِلى المشروع الأوروبيّ الأوسع نطاقا هو أقلّ وضوحا. وقد حث ماكرون على تحقيق تكامل أوروبيّ أعمق لتوسيع الحوكمة الاقتصاديّة العابرة للقوميّات، مما يسمح بزيادة تقاسم الأعباء على مستوى الاتحاد الأوروبيّ، وهو مطلب طويل الأمد من الإدارات الفرنسية كانت ألمانيا أنجيلا ميركل قد رفضت اعتماده. ومع مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبيّ في (مارس/آذار) ٢٠١٩، فإنّه يمكن إزالة عقبة محتملة أمام التعاون الأكبر. ما لم يكن لدى ألمانيا صدمة انتخابية خاصّة بها في الخريف، فيبدو من غير المحتمل أنْ تنضم البلاد المهيمنة في الاتحاد الأوروبيّ بسهولة لتوحيد المخاطر السياديّة مع الدول الضعيفة في منطقة اليورو.

 

وسواء أكان البركسيت سوف يحدث في الواقع بالموعد المحدد، فذلك مسألة أخرى، فقد دعت ماي الانتخابات البريطانية للفوز بولاية لتحقيق خططها لمغادرة ليس فقط المؤسسات السياسيّة للاتحاد الأوروبيّ، بل أيضا سوقها الموحد والاتحاد الجمركيّ. والحال أنّ فشلها [تِيرزا ماي يقصد -م] في الفوز بهذه الولاية يضع هذا المشروع في شكّ. فلم يعد هناك أغلبية برلمانيّة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ، ومن المرجح أن يعرقل مجلس اللوردات، الذي يعترض معظم أعضائه على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ، أيّ محاولات للتغلب عليها. والمفتاح الرئيسي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ هو الآن موقف حزب العمل، والذي يلتزم رسميّا بالخروج، ولكن معظم الحزب الانتخابيّ والبرلمانيّ صوتوا للبقاء. وقد تم إخفاء "الشكوكيّة الأوروبيّة" (Euroscepticism) لِكوربن بشكل جيّد خلال الحملة الانتخابيّة، ولكن موقفه من هذه القضيّة لا يمكن الاستغناء عنه لفترة طويلة. فإذا وافق حزب العمل على خطط المحافظين لقطع العلاقات مع القارّة، فَستزول الزيادة في الدعم الذي حصل عليه كوربن من الطبقة الوسطى المتعلّمة في المملكة المتحدة المؤيدة لأوروبّا.

 

___________________________________

 

مترجمٌ عن: (فورين أفيرز)

المصدر : الجزيرة