نجدة الروهينغا.. كيف يوظف أردوغان الأزمات بنجاح؟
أثارت الأزمة الإنسانية الناشئة المتفاقمة التي هزت ميانمار -وأجبرت ما يقدر بنحو 370 ألف فرد من أقلية الروهينغا إلى هجرة البلاد- موجة واسعة من الإدانة الدولية، لكنها لم تسفر حتى الآن إلى أية نتيجةٍ ملموسةٍ على أرض الواقع.
ووصف رئيس منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، محنة الروهينغا بأنها "مثالا نموذجيًا على التطهير العرقي"، وجاء هذا الوصف في أعقاب بيان مشابه أصدره الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس. وفي الوقت الذي تميزت فيه ردود الدول الغربية بالبطء والتردد، سعى قادة الدول ذات الأغلبية المسلمة -وخاصة ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش وباكستان- إلى ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط الدولية على حكومة ميانمار. وجاءت أقوى ردود الفعل وأكثرها صخبًا من تركيا، من خلال ما يبدو تقمص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صفة الناطق الدولي المدافع عن مسلمي الروهينغا.
وأعلنت تركيا في الوقت نفسه عن عدة خططٍ لتوزيع المساعدات الإنسانية على مخيمات الروهينغا في بنغلاديش، وقد حظيت هذه الخطوة بتغطيةٍ إعلاميةٍ على نطاق واسع، خاصة بعد قيام إيمين أردوغان، زوجة الرئيس التركي بزيارة هذه المخيمات في الوقت ذاته.
وإلى جانب أردوغان، تناول مسؤولون سياسيون أتراك آخرون هذه المسألة، لاسيما مولود جاويش أوغلو (Mevlüt Çavuşoğlu)، وزير الخارجية، الذي حظيت تصريحات باهتمام عالمي. من جهته نشر محمد شيمشك (Mehmet Şimşek)، نائب رئيس الوزراء، في إحدى التغريدات، مجموعة من الصور المثيرة للجدل، التي لا علاقة لها بالأحداث، لإثارة الانتباه حول النزاع، مما أحدث قليلا من الحرج. كيف يمكن إذن تفسير إقدام تركيا وطموحها في أخذ زمام المبادرة في أزمة الروهينغا الحالية؟
وتسعى العقيدة السياسة الخارجية في تركيا الآن إلى تعزيز ما يصفه الباحثان الأكاديميان بينار بيلغن وعلي بيلجيك، من جامعة بيلكنت بـ"الجغرافيا السياسية الحضارية" و"فهم الثقافة والحضارة كمحددات مسبقة للسلوك الدولي"، ومثلما يقول البحاثان بيلغن وبيلجيك، فإن هذا المبدأ الجديد يهدف إلى وضع تركيا في صميم القضايا الجيوسياسية الناشئة بين الغرب وبقية آسيا، ويبرر هذه المشاركة العالمية، بالعودة إلى ماضي وتراث تركيا السياسي -القائم أساسًا على تاريخها العثماني وثقلها في آسيا الوسطى.
تحتل تركيا المرتبة الثانية في العالم، من حيث حجم المساعدات الإنسانية، من خلال إنفاقها حوالي 6 مليارات دولار في 2016 |
وأصبح التحول أكثر وضوحًا في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفق ما تم تحديده بشكل وثيق وإحالته إلى عمل أحمد داود أوغلو، عالم الجغرافيا السياسية ووزير خارجية تركيا من 2009-14، الذي وصفته مجلة فورين بوليسي في عام 2010 بـ" دماغ النهضة العالمية الجديدة لتركيا". تحت رعاية وإشراف داوود أوغلو، توسعت البصمة الدبلوماسية العالمية لتركيا بشكل كبير، وخاصة في آسيا وأفريقيا. وافتتح أول سفارة لتركيا في ميانمار في عام 2012 للاستفادة من الفرص التجارية المتاحة في أعقاب تحرير تجارة البلاد بعد عام 2008 وبسبب قضية الروهينغا.
في رحلة لاحقة في عام 2013، قام بجولة إلى مخيمات اللاجئين ودعا الحكومة البورمية لتوسيع حقوق المواطنة لشعب الروهينغا، وتتزامن هذه السياسة الخارجية الجديدة مع طموح تركيا المتواصل طيلة عقد من الزمان لتصبح قوة إنسانية عالمية أو ما يطلق عليه علماء تركيا فؤاد كيمان وأونور زاكاك اسم "دولة إنسانية". وصف الصحفي ووزير التخطيط السابق الصومالي عبد الرحمن علي النهج الإنساني التركي، بأنها مقاربة تقع على منتصف الطريق بين نموذج المساعدات الغربية ونظيرتها الصينية، مضيفًا بأن النموذج الأول، مقيد إلى حد بعيد برزمة من الشروط، والقيود البيروقراطية، وغالبا ما يركز على الأمن، في حين يميل النموذج الثاني إلى دعم الأنظمة الفاسدة والاستبدادية، أما النهج التركي – فعادة ما يتجاوز القيود البيروقراطية ويؤكد على "معيار أخلاقي" يرتكز على حماية حقوق الإنسان ومساعدة الضعيف".
وقد دعمت تركيا هذا الطموح بزيادة حجم التمويل للمساعدة الإنسانية على مدى السنوات الخمس الماضية. أفادت مؤخرا مبادرات التنمية -وهي منظمة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة- بأن تركيا تحتل المرتبة الثانية في العالم، من حيث حجم المساعدات الإنسانية، من خلال إنفاقها حوالي 6 مليارات دولار في 2016 (أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتل المرتبة الأولى 6.3 مليار دولار).
ولهذا السبب، ينظر المؤيدون المتحمسون في تركيا -ناهيك عن شرائح كبيرة من الرأي العام في جميع أنحاء العالم الإسلامي- إلى الرئيس أردوغان، بصفته بطل حقوق المسلمين في كل مكان. وقد نجح أردوغان في ترسيخ هذه الصورة بشكل مستديم خلال الأزمات الأخرى، كالتي حدثت في مصر خلال نظام مرسي 2011-2012 أو في فلسطين. وقد أدت شعاراته العامة إزاء إسرائيل والغرب إلى الدفع ببعض الصحفيين المؤيدين للفلسطينيين، لأن ينعتوه في الصحف العربية، بـ"الناصر الجديد" (نسبة إلى الزعيم المصري جمال عبد الناصر).
قد تكون دعوته لحماية المسلمين في جميع أنحاء العالم لحظة حاسمة بالنسبة للقيادة الدبلوماسية التركية، لكن مدى سير دول إسلامية أخرى على خطى تركيا، من شأنه أن يكشف حدود ما يسمى بـ "السياسات الإنسانية" في تركيا.
________________________________________
مترجم عن: (ذا كونفرزيشن)