شعار قسم ميدان

هل يسمح الغرب لروسيا بالسيطرة على السوق النووية؟

midan - مفاعل نووي روسي Russian nuclear bomb plant
في وقت ما من هذا الخريف سيقرر قاضي إفلاس فيدرالي أميركي في نيويورك مصيرَ شركة وستنغهاوس، شركة الطاقة النووية المَهيبة التي تعثرت ماليا في وقت سابق هذا العام، وعندما يتخذ القرار سيحدد شيئا أكثر أهمية بكثير، وهو: هل سيؤدي الغرب دورا نشطا في التخفيف من التهديدات المزدوجة الناجمة عن الانتشار النووي وتغير المناخ، أو بدلا من ذلك سيتخلى عن السوق العالمية للطاقة النووية لروسيا؟ ولكن لكي تنجح وستنغهاوس التي شهِدت إعادة تنظيم ستحتاج إلى فريق إداري قادر على التحرر من الماضي واعتماد تصميم مختلف لمصنع نووي مُختبَر جيدا، فضلا عن التمويل طويل الأجل ومنخفض الفائدة المطلوب للتنافس مع الروس.

 

تعاظُم الهيمنة النووية الروسية

تأسست وستنغهاوس في عام 1886، ولكن أعيد تنظيمها في منتصف التسعينيات، وتناولت مِلكيتَها شركات مختلفة حتى اشتراها تَكتُّل توشيبا الياباني في عام 2006، في وقت كانت أسعار الغاز الطبيعي فيه مرتفعة وكانت توقعات الطاقة النووية مشرقة وتُنبئ عن مستقبل مزدهر.

 

وقد أعلنت شركة وستنغهاوس عن إفلاسها في وقت سابق من هذا العام بعد تأخر طويل في أعمال البناء ناتِج عن بناء تصميم جديد بالكامل غير مُختبَر، وهو محطة (AP-1000) التي أدت إلى تجاوزات كبيرة ومستمرة في التكاليف خلال بناء مصنعين أميركيَّين، أحدهما في كارولينا الجنوبية والآخر في جورجيا.

 

 

الخطر الأكبر هو أن شركة وستنغهاوس تخرج من إجراءات الإفلاس وهي في يد مالك يسحب بساطَ أعمال البناء النووي تمامًا من تحت الشركة، بحيث يمكن أن تُركِّز على أعمال التزوُّد بالوقود المُربِحَة، ومن ثم تبيع الأصول المتبقية، ومن شأن هذه النتيجة أن تقوّض إلى حدٍّ كبير مصالحَ الأمن القومي الأميركيّ والغربيّ، فضلًا عن الجهود العالمية الرامية إلى التخفيف من حدّة تغير المناخ.

 

وتَعتَبِر موسكو مبيعاتِ المفاعلات النووية وسيلة لتوسيع نفوذها وتعزيزه، فلا تعكف شركة روزاتوم النووية الروسية المملوكة للدولة حاليا على بناء محطات نووية فحسب، بل تتولّى تمويلها وتشغيلها بشكل كامل في الخارج، وهي صفقة يصعب على العديد من الدول التي تعاني من نقص في السيولة والكهرباء رفضُها.

 

إن نظام عقود البناء والتملُّك والتشغيل "بي أو أو" (BOO) في روسيا يسير سيرًا صحيحًا داخل المجتمعات الأمنية الوطنية الغربية، وبعيدًا عن وضع مقياس للاعتماد على الطاقة فإنَّ هذه العقود تضع العُمَّال الروس والأصول الروسية القيّمة على أرض أجنبية، مما يخلق أسبابًا يمكن الدفاع عنها للكرملين من أجل إدخال وجود مادّي للقوات في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص في حالة تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي.  

 

يُذكَر أن روسيا لديها مفاعلات قيد الإنشاء في بنغلاديش وبيلاروس والصين والهند وسلوفاكيا، ووَقَّعت مؤخرا صفقات لبناء محطات جديدة في أرمينيا ومصر وفنلندا والمجر وإيران وتركيا. وعلى العموم، فإن روسيا مسؤولة عن 60% من مبيعات المفاعلات العالمية والمساعدة التقنية، وهي في وضع يُمَكّنها من بناء 34 مفاعلا في 13 بلدا بقيمة إجمالية تبلغ 300 مليار دولار أميركي، وبعد تعثر وستنغهاوس وسّعت الهندُ دورَ روسيا في التوسع النووي المخطط لها.

 

وتراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن كثب معظم المفاعلات النووية -سواء لأغراض البحوث الطبية أو الطاقة- للكشف عن تسريب المواد النووية إلى برامج الأسلحة السرية، ولكن نجاح الضمانات والتفتيش يعتمد اعتمادا كبيرا على التعاون من الجهات التنظيمية الحكومية والمشغلين وبائعي المفاعلات. ومن المناطق التي تثير القلق منطقةُ الشرق الأوسط التي لها تاريخ متقلب من الامتثال للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

 محطة بوهونيس للطاقة النووية في سلوفاكيا (مواقع التواصل)
 محطة بوهونيس للطاقة النووية في سلوفاكيا (مواقع التواصل)

 

ولكي تكون المملكةُ العربية السعودية كدولةِ الإماراتِ العربية المتحدة فإنها تريد بناء محطة نووية، مما يسمح للمملكة بالحفاظ على مواردها النفطية والغازية الوفيرة للتصدير، لكن خبراء الأمن يخشون من أن يكون السعوديون متحمسين للتحوط ضد احتمالِ امتلاكِ إيرانَ أسلحة نووية، ربما عن طريق تطوير قدراتهم الخاصة للتخصيب أو إعادة المعالجة السرية، ورغم أنه يبدو من المرجح أن المملكة العربية السعودية تعمل مع شركة كيبكو (KEPCO) في ضوء التخلص التدريجي من الطاقة النووية الذي خططت له كوريا الجنوبية مؤخرا فمن المرجح أن تفوز روسيا بهذا العقد أيضا.

 

والخبر السار هو أنه في الوقت الراهن لا ترغبُ العديدُ من الدول في نفوذ روسيا للتوسع داخل حدودها، وهو ما كان جزءا من سبب إلغاء فيتنام خططَها لبناء محطات نووية، وتخطط لبناء محطات الفحم بدلا من ذلك.

 

مستقبل وستنغهاوس

مع وجود دول في أوروبا وآسيا تسعى إلى تقليل اعتمادها على الطاقة النووية فإن وستنغهاوس تُعتبر الفرصة الأخيرة للغرب وحلفائه للبقاء في أعمال البناء النووي.

 

تعثرت شركة آريفا الفرنسية مثل وستنغهاوس ماليا بسبب تأخر التشييد الناجم عن بناء تصميم مفاعل أوروبي مضغوط جديد غير مُختبَر، ورغم أن آريفا قد أعيد تمويلُها برأس المال وأعيد تنظيمها من قِبَل الحكومة الفرنسية فإنّ الدول المشترية سوف تكون متشككة بحق في قدرتها على تسليم المشاريع نظرا إلى تاريخها.

 

اكتسبت شركة كيبكو الكورية الجنوبية سُمعة في بناء محطات الطاقة النووية في الوقت المحدد ووَفقا للميزانية المحددة، بما في ذلك في الخارج في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن الآن يسعى رئيس كوريا الجنوبية المنتخب حديثا إلى التخلص التدريجي من الطاقة النووية ردا على المخاوف العامة التي نَمَت منذ حادثة مفاعل فوكوشيما النووي في 2011، وإذا نجح في ذلك فإن كوريا الجنوبية ستكون خارج المنافسة النووية العالمية التي تفتقر إلى سلسلة التوريد المحلية، والأهم من ذلك ثقة الدول الأجنبية.

 

المفعلان النوويان شين كوري 1 و2 التابعان لشركة الكهرباء الكورية كيبكو(رويترز)
المفعلان النوويان شين كوري 1 و2 التابعان لشركة الكهرباء الكورية كيبكو(رويترز)

 

تمتلك شركة هيتاشي اليابانية شراكة بناء نووي مع شركة جنرال إلكتريك، لكنّ المديرَيْن التنفيذيَّين الأخيرَيْن لشركة جنرال إلكتريك كانا متشككَين علنا بشأن البناء النووي في المستقبل، ومن غير المرجح أن يتعاقد العملاء مع شركة من بلد مثل كوريا الجنوبية وفرنسا، مما يقلل من اعتمادها المحلي بشأن الطاقة النووية.

 

ومن شأن إعادة تنظيم وستنغهاوس تحت قيادة أكثرَ رؤية أن تشتري شركة هيتاشي التي أثبتت قدرتها على بناء محطاتها النووية المتقدمة في الوقت المحدد وبالميزانية المحددة في اليابان وتايوان، ما تبقَّى من شركة كيبكو أو شركة بناء نووية أخرى.

 

وبالنسبة لكل التحديات التي تواجهها وستنغهاوس، فإن الولايات المتحدة وحدَها لا يزال لديها ضِعفُ عدد المفاعلات النووية التي تملكها ثاني أكبر طاقة نووية في العالم، وهي فرنسا الأكثر التزاما بالحفاظ على الطاقة النووية وبتوسيعها للتخفيف من تلوث الهواء وتغير المناخ. فعلى سبيل المثال قدمت نيويورك وإلينوي في العام الماضي إعانة إلى المحطات النووية المتعثرة اقتصاديا اعترافا بمنافعها البيئية، وكونيتيكت، وأوهايو، وبنسلفانيا تدرس كل منها تدابيرَ مماثلة.

 

خطوات واشنطن المقبلة

إن مستقبل الطاقة النووية مهم جدا لأنْ يُترَك بين يَدَيْ قاضي إفلاس واحد، ولكنها الرؤية المستقبلية، ولكي تنجح شركة وستنغهاوس وصناعة البناء النووية في الغرب يجب على الحكومة الأميركية أن تفعل ثلاثة أشياء.

 

أولا: يجب على وزارة الطاقة أن تتذكر صفحة من جهودها في فترة التسعينيات التي أدت إلى ثورة الغاز الصخري وتسريع اختبار ما يسمى الوقود المتسامح للحوادث. ففي تسعينيات القرن الماضي دفعت وزارة الطاقة تكاليف أعلى من المعتاد في الحفر والتكسير الأفقي لتجربة التكنولوجيا بنجاح، وينبغي لها أن تفعل فِعلا مماثلا اليومَ للوقود النووي المتسامح مع الحوادث، الذي يَعِد بتحمّل درجات الحرارة ثلاث مرات أعلى من تلك التي صمدت بواسطة وقود اليوم، ومنع انفجارات غاز الهيدروجين مثل النوع الذي حدث في فوكوشيما في عام 2011.

 

أبراج تبريد في محطة فوغتل للطاقة النووية التابعة لجورج باور، تستخدم تكنولوجيا مفاعلات المياه المضغوط المتقدمة من وستنغهاوس (A-P1000) (الأوروبية)
أبراج تبريد في محطة فوغتل للطاقة النووية التابعة لجورج باور، تستخدم تكنولوجيا مفاعلات المياه المضغوط المتقدمة من وستنغهاوس (A-P1000) (الأوروبية)

 

وإذا ثبت نجاح الوقود المتسامح للحوادث فإن تكلفة تشغيل المحطات النووية يمكن أن تنخفض بنسبة تصل إلى 30%، مما يجعل الطاقة النووية قادرة على المنافسة على الفور حتى مع أسعار الغاز الطبيعي المتدنية. بعد عدة عقود من التجارب المختبرية من المقرر أن يتم تحميل هذا النوع من الوقود في مُفاعل نووي مدني أميركي في عام 2018، ولكن لا يوجد سبب يمنع تحميلها في المفاعلات المدنية في خريف هذا العام، الأمر الذي يتطلب استثمارا متواضعا من قبل وزارة الطاقة أقل بكثير من 500 مليون دولار أميركي، وإذا كان هذا الوقود بعد 18 شهرًا كما كان متوقعا منه فينبغي عندئذٍ دعمه عبر الأسطول النووي الأميركي.

 

ثانيًا: يجب على واشنطن أن تلتزم بأن تصبح مصدرا رئيسا لتخصيب الوقود النووي وإنتاجه، فضلا عن مُوَرِّد عالمي قادر على المنافسة، والشركة الأميركية الوحيدة القادرة على تحقيق هذا الوضع هي سينتروس التي أكملت للتوِّ عرضا لمدة ثلاث سنوات من أجهزة الطرد المركزي "AC100" المتقدمة في بيكيتون، منشأة أوهايو. ومع ذلك، ورغم استنتاج وزارة الطاقة بأن "AC100" يمثل "الخيار الأكثر تقدما من الناحية التقنية والأقل خطورة" لتلبية احتياجات الأمن القومي على المدى الطويل في البلاد فإن هناك حاجة إلى تمويل إضافي لتوسيع تلك التكنولوجيا وتسويقها.

 

ثالثا: يجب على الكونغرس توسيع نطاق التمويل المتاح لإعادة تنظيم وستنغهاوس بحيث يمكن أن تتنافس مع روزاتوم. في الماضي اعترض بعض أعضاء الكونغرس المحافظين على أن هذا التمويل ينبغي أن يكون حكرا على المصارف الخاصة، ولكن في الحالة الراهنة يجب أن يكون للأمن الوطني الأسبقية على النقاء الأيديولوجي.

 

في نهاية المطاف، يجب أن يُقرَّر مستقبلُ وستنغهاوس بقدر أقل على حجم العرض المقدَّم من مقدمي العروض المتنافسة، وبقدر أكثر على خطة واقعية للولايات المتحدة لتحقيق الرؤية التي قدمها الرئيس دوايت أيزنهاور في خطابه الشهير "ذرات من أجل السلام" للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقال أيزنهاور إن الهدف النهائي للطاقة النووية هو "توفير الطاقة الكهربائية الوفيرة في المناطق المتعطشة للطاقة في العالم"، ومع ذلك، فإن 10% فقط من الكهرباء في العالم تأتي من الطاقة النووية، وكلها تقريبا في المناطق الغنية بالطاقة بدلا من المناطق المتعطشة لها. يمكن للقادة الأميركيين العمل معا لتحويل أزمة اليوم التي تواجه كلا من وستنغهاوس وأكبر مَصدَر لنا للطاقة النظيفة إلى الفرصة التي يحتاجها الغرب لضمان أمنه مع تحقيق حلم إنساني أيضا.

 

========================================== 

 

مترجمٌ عن: (فورين أفيرز)

المصدر : الجزيرة