شعار قسم ميدان

ذا أتلانتيك: ما أسباب نهوض اليسار العنيف في أميركا؟

ميدان - الفاشية
استضافت مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية مهرجان "الورد" (روز) السنوي منذ عام 1907. وشمل المهرجان موكبًا في شارع 82 منذ عام 2007. ومنذ عام 2013، شارك الحزب الجمهوري في مقاطعة مولتنوماه، التي تضم بورتلاند. وفي (أبريل/نيسان) من هذا العام، تغير كل شيء.

 

أعلنت مجموعة تدعى "تحالف العمل المباشر" في الأيام التي سبقت الموكب المخطط أن "الفاشيين يخططون للسير عبر الشوارع". وحذرت من أن "النازيين لن يسيروا في بورتلاند بلا معارضة". قال التحالف إنه لم يعترض على الحزب الجمهوري في مولتنوماه، لكنه اعترض على "الفاشيين" الذين خططوا للتسلل إلى صفوفه. ومع ذلك، نددت المجموعة أيضًا بالمسيرات التي تحمل "أعلام ترمب" وترتدي "قبعات ماغا (وهي لفظة أوائلية لشعار ترمب "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى") حمراء اللون"، التي من شأنها "تطبيع الدعم لرجل برتقالي تباهى بالتحرش الجنسي بالنساء، ويشن حربًا من الكراهية والعُنصرية والتحيز". أنشأت مجموعة ثانية -وهي مجموعة لطلاب ولاية أوريغون- من خلال صفحة على موقع فيسبوك تسمى "أوقفوا الفاشية! لا لوجود النازيين في بورتلاند!".

 

تلا ذلك تلقي منظمي العرض تحذيرا مجهولا بالبريد الإلكتروني مفاده أنه إذا اشترك "مؤيدو ترمب" وغيرهم ممن يروجون "لخطاب الكراهية" في المسيرة، "سيكون لدينا مائتان أو أكثر يسرعون إلى الموكب.. لسحب هؤلاء الأشخاص ودفعهم بعيدًا". عندما قالت الشرطة في بورتلاند إنها تفتقر إلى الموارد لتوفير الأمن الكافي، قام المنظمون بإلغاء العرض. وكانت هذه دلالة على أمور مقبلة. ليس دونالد ترمب مجرد رئيس جمهوري بالنسبة للتقدميين؛ إذ إن استطلاع رأي أُجري في مقاطعة سوفولك في (سبتمبر/أيلول) الماضي، بيّن أن هناك 76% من الديمقراطيين يعتبرونه عنصريًا. وفي (مارس/آذار) الماضي، وفقا لمسح شركة يوغوف (YouGov)، وافق 71% من الديمقراطيين على أن حملته الانتخابية كان لها صبغة "فاشية". كل ذلك يثير سؤالًا من المرجح أن يزعج التقدميين لسنوات قادمة: إذا كنتم تعتقدون أن رئيس الولايات المتحدة يقود حركة عنصرية فاشية تهدد حقوق الأقليات الضعيفة -إن لم يكن حياتها- إلى أي مدى سوف تمضون قدمًا لإيقافها؟

 

متظاهرون ضد
متظاهرون ضد "العنصريين البيض"، يرفعون مجسما لترمب كتب عليه "عنصري" (رويترز)

 

تتمركز الإجابة على هذا السؤال في العاصمة واشنطن حول كيفية استطاعة أعضاء الكونغرس أن يعارضوا برنامج ترمب، وكيف يمكن للديمقراطيين استعادة مجلس النواب، وكيف ومتى يضغطون من أجل إقالته. ولكن في البلاد عمومًا، ثمة بعض اليساريين المتشددين الذين يقدمون إجابة مختلفة تمامًا. في يوم التنصيب، لكم ناشط ملثم ريتشارد سبنسر زعيم الحركة المنادية بسيادة البيض. وفي (فبراير/شباط)، عمد المتظاهرون إلى العنف لعرقلة خطط جامعة كاليفورنيا في بيركلي لاستضافة خطاب يلقيه ميلو يانوبولوس، محرر سابق في موقع بريتبارت اليميني المتطرف. وفي (مارس/آذار)، دفع المتظاهرون العالم السياسي المحافظ المثير للجدل تشارلز موراي، عندما تحدث في كلية ميدلبري في فيرمونت.

 

على الرغم من انتشار هذه الحوادث، فإنها تشترك في شيء بالغ الأهمية. على غرار المنظمات التي عارضت مشاركة الحزب الجمهوري بمقاطعة مولتنوماه في موكب شارع 82 خلال مهرجان روز السنوي، يبدو أن هؤلاء النشطاء يرتبطون بحركة تسمى "أنتيفا"، وهي اختصار لمناهضة الفاشية أو الأعمال المناهضة للفاشية. تجعل سرية تلك الحركة من تصنيف أنشطتها أمرًا صعبًا، غير أن المؤكد هو أن قوة حركة أنتيفا آخذة في الازدياد. وسوف تساعد طريقة رد بقية النشطاء اليساريين على تحديد طابعها الأخلاقي في عهد ترمب.

 

تعود جذور حركة أنتيفا إلى العشرينيات والثلاثينيات، عندما كان اليساريون المتشددون يحاربون الفاشيين في شوارع ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. عندما ذبلت الفاشية بعد الحرب العالمية الثانية، ذبلت معها حركة أنتيفا. ولكن في السبعينيات والثمانينيات، بدأ النازيون الجدد حليقو الرؤوس في التسلل إلى ساحة البانك في بريطانيا. بعد سقوط جدار برلين، اكتسبت النازية الجديدة مكانًة بارزًة في ألمانيا. وردًا على ذلك، قام كادر من اليساريين الشباب، منهم العديد من الفوضويين وجمهور موسيقى البانك روك، في إحياء تقليد من مناهضة الفاشية على مستوى الشوارع.

 

بدأ محبو موسيقى البانك اليساريون في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات أن يحذو حذوها. وعلى الرغم من أنهم في البداية أطلقوا على مجموعتهم اسم "حركة مكافحة العنصرية" استنادًا إلى نظرية أن الأميركيين سيكونون أكثر دراية بمكافحة العنصرية من الفاشية. وفقًا لمارك براي، مؤلف الكتاب المُنتظر أنتيفا: دليل مكافحة الفاشية، قام هؤلاء النشطاء بجولة مع فرق شعبية تقدم موسيقى الروك البديل في التسعينيات، في محاولة لضمان أن النازيين الجدد لم يجندوا معجبيهم. في عام 2002، عطلوا خطاب رئيس كنيسة الخالق العالمية (تغير اسمها إلى الحركة الخلاقة)، وهي مجموعة تدعو إلى سيادة البيض في ولاية بنسلفانيا؛ وقد اعتُقل 25 شخصًا في الشجار الناتج.

 

حصلت وسائل أنتيفا العنيفة على دعم كبير من التيار اليساري الرئيسي.

 

 حساب حركة أنتيفا في نيويورك على تويتر (مواقع التواصل)
 حساب حركة أنتيفا في نيويورك على تويتر (مواقع التواصل)

 

مع بداية العقد الأول من هذا القرن، وبينما سهل الإنترنت الحوار عبر الأطلسي، تبنى بعض النشطاء الأميركيين اسم أنتيفا. ولكن حتى على صعيد اليسار المسلح، لم تكن الحركة مركز الاهتمام. بالنسبة إلى معظم النشطاء اليساريين في عهد كلينتون وبوش وأوباما، كان إلغاء القيود الرأسمالية العالمية يشكل تهديدًا أكبر من الفاشية.

 

غيّر ترمب ذلك. بالنسبة إلى حركة أنتيفا، تمثلت النتيجة في نمو هائل. وفقًا لحركة أنتيفا في نيويورك، وصل متابعو حسابها على موقع تويتر إلى ما يقرب من أربعة أضعاف في الأسابيع الثلاثة الأولى من (يناير/كانون الثاني) فقط. (وبحلول الصيف، تجاوزت 15,000). كما أن صعود ترمب أثار تعاطفًا جديدًا مع أنتيفا بين بعض من دوائر تيار اليسار. وقد ورد في دورية "الأمور في تردي" (It’s Going Down) المؤيدة لحركة أنتيفا "فجأة، صار الفوضويون وأنتيفا، الذين شُوهت سمعتهم وهُمّشوا من قبل اليسار الأوسع، يسمعون من الليبراليين واليساريين: لقد كنتم على حق دومًا". كما ناقشت مقالة في مجلة ذا نيشن أن "تسمية تأييد ترمب: بالفاشية" يعتبر إدراكًا أن هذا التأييد لا يُحارَب بشكل جيد أو يتم احتوائه عن طريق ملائمة النداءات الليبرالية مع المنطق". كما جاء فيها أن اليسار المتطرف يقدم "استجابات عملية وجادة في هذه اللحظة السياسية".

 

أحيانًا ما تؤدي هذه الردود إلى إراقة الدماء. وبما أن حركة أنتيفا تتألف بشكل كبير من الفوضويين، فإن نشطاءها لا يثقون في الدولة التي يعتبرونها متواطئة مع الفاشية والعنصرية. وهم يفضلون الأفعال المباشرة: هم يضغطون على الأماكن التي تُعقد فيها الاجتماعات كي لا تسمح للمجموعات الداعية لسيادة البيض للالتقاء. ويضغطون على أصحاب العمل لتسريحهم من العمل، وعلى ملاك العقارات لطردهم. وعندما يتمكن الأشخاص الذين يعتبرونهم عنصريين وفاشيين من التجمع، يحاول مناصرو حركة أنتيفا تفريق تجمعاتهم، وبالقوة أحيانًا.

 

وقد حصلت هذه التكتيكات على دعم كبير من اليسار التقليدي. عندما صُور ناشط ملثم ضد الفاشية وهو يعتدي على سبنسر يوم تأدية القسم الرئاسي، ووصفت مقالة أخرى على صحيفة ذا نيشن اللكمة على أنها فعل "جمالي حركي". كما نشرت مجلة سليت مقالة موافقة حول أغنية بيانو مرحة تمجد الاعتداء. وغمر تويتر بنسخ سريعة الانتشار من مجموعة فيديوهات لأغانيَ مختلفة، مما دفع الكاتب السابق لخطابات أوباما جون فافريو إلى التغريد، "لا يهمني عدد الأغاني المختلفة التي يُلكم ريتشارد سبنسر على إيقاعها، سوف أضحك على كل واحدة منها".

 

 فيديو الاعتداء على سبنسر بلكمة على وجهه

 

لا يعتبر العنف موجها فقط ضد العنصريين المعروفين مثل سبنسر، ففي (يونيو/حزيران) من العام الماضي، قام المتظاهرون -على الأقل بعض منهم كانوا مرتبطين بمعارضي الفاشية-  بلكم وإلقاء البيض على أشخاص خرجوا من تجمع ترمب في سان خوسيه بولاية كاليفورنيا. واحتفلت مقالة في " الأمور في تردي " بـ"الضرب المبرح".

 

يدعي مناهضو الفاشية أن مثل هذه الإجراءات دفاعيةً، ويقولون إن خطاب الكراهية ضد الأقليات الضعيفة يؤدي إلى العنف ضدهم. لكن مؤيدي ترمب والعنصريين البيض يرون هجمات معارضي الفاشية اعتداءً على حقهم في التجمع بحرية، وهو ما يسعون بدورهم إلى إعادة تأكيده. لتكون النتيجة عبارة عن حرب شوارع سياسية مستمرة لم تشاهَد في الولايات المتحدة منذ 1960. على سبيل المثال، أعلن زعيم عنصري أبيض بعد بضعة أسابيع من الهجمات التي وقعت في سان خوسيه أنه سيستضيف مسيرة في ساكرامنتو احتجاجًا على الهجمات التي وقعت في تجمعات ترمب. ودعت حركة أنتيفا ساكرامنتو إلى مظاهرة مضادة؛ وفي النهاية طعن 10 أشخاص على الأقل.

 

وقد استمرت دائرة مماثلة في دورتها بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. في (فبراير/ شباط)، حطم ملثمون مناهضون للفاشية نوافذ المتاجر وألقوا بزجاجات حارقة من المولوتوف وصخور على الشرطة خلال تجمع ضد خطاب يانو بولوس المخطط له. بعد أن ألغت الجامعة الخطاب الذي أسمته "القلق من أجل السلامة العامة"، أعلن العنصريون البيض "مسيرة في بيركلي دعما لحرية التعبير". في هذا التجمع، قام رجل يبلغ من العمر 41 عامًا يدعى كايل تشابمان ويرتدي خوذة بيسبول ونظارات تزلج وأدرع واقية على الساقين وقناع، بضرب ناشط ضد الفاشية على رأسه بعمود خشبي. فجأة، أصبح لمؤيدي ترمب فيديو شهير خاص بهم. وسرعان ما أنشأ اليمينيون التطرفون موقع تمويل شعبي جمعوا عبره أكثر من 80،000 دولار للدفاع عن تشابمان. (في (يناير/كانون الثاني)، قام الموقع نفسه بعرض مكافأة كبيرة لمن يكشف عن هوية مناهض الفاشية الذي لكم سبنسر). ويبدو أن هناك ثقافة معركة مسيسة آخذة في الظهور، يغذيها المشجعون من كلا الجانبين. وكما قال جيمس أندرسون المحرر في "الأمور في تردي" "هذا الهراء ممتع".

 

قد تكون بورتلاند أوضح لمحة حول ما يمكن أن يؤدي كل هذا إليه. فقد جذب الشمال الغربي المسالم العنصريين البيض منذ فترة طويلة، إذ رأوا فيه ملاذًا من جنوب وشرق أميركا متعددي الأعراق. في عام 1857، حظرت ولاية أوريغون -الإقليم الفيدرالي وقتها- الأميركيين الأفارقة من العيش هناك. وبحلول 1920، افتخرت باحتوائها على أعلى معدل عضوية في منظمة كو كلوكس كلان "KKK" بين كل الدول.

 

 وفي عام 1988، قتل النازيون الجدد في بورتلاند مهاجرًا إثيوبيّا بمضرب بيسبول. يقول أليكس ريدوس، المحاضر في جامعة ولاية بورتلاند ومؤلف كتاب ضد زحف الفاشية، إن الفوضويين المُعادين للنازية شكلوا بعد ذلك بوقت قصير فصلًا جديدًا من الفوضوية المعادية للتحيز العرقي. وقبل فترة طويلة، كان لدى المدينة أيضًا فريق عمل لمكافحة العنصرية.

 

متظاهر من المحافطين يمشي أمام مجموعة من مناهضي الفاشية خلال فترة المظاهرات المتنافسة  (رويترز)
متظاهر من المحافطين يمشي أمام مجموعة من مناهضي الفاشية خلال فترة المظاهرات المتنافسة  (رويترز)

 

أصبحت بورتلاند الآن في عهد ترمب معقل النضال ضد الفاشية. فقد حطم المتظاهرون الملثمون نوافذ المتاجر خلال المظاهرات المتعددة بعد انتخابات ترمب. وفي مطلع (أبريل/نيسان)، ألقى الناشطون المناهضون للفاشية قنابل دخان على "تجمع ترمب والحرية" في ضاحية بورتلاند في فانكوفر بواشنطن. وذكرت صحيفة محلية أن المشاجرة التي تلت ذلك تشبه حفرة لرقصة "موش" العنيفة.

 

عندما أُجبر مناهضو الفاشية على إلغاء شارع 82 من موكب "الورود"، رد مؤيدو ترمب بـ"مسيرة من أجل حرية التعبير". وكان من بين الذين حضروا جيريمي كريستيان، وهو سجين سابق مفتول العضلات يتوشح بالعلم الأميركي، وقال عبارات عنصرية وقام بتحيات نازية. وبعد بضعة أسابيع، في 25 (مايو/أيار)، تم تصوير رجل يعتقد أنه كريستيان، يلقب أنتيفا بـ"مجموعة الكلاب الأشرار".

 

في اليوم التالي، استقل كريستيان قطار السكك الحديدية الخفيف وبدأ يصرخ قائلا إن "الناس ذوي البشرة الملونة" كانوا يدمرون المدينة. ولفت انتباهه فتاتين في سن المراهقة واحدة أميركية من أصل أفريقي والأخرى ترتدي الحجاب فقال لهما "عودا إلى المملكة العربية السعودية" أو "اقتلا أنفسكما". وعندما تراجعت الفتاتان إلى مؤخرة القطار، وقف ثلاثة رجال بين كريستيان وهدفيه. وقال له أحدهم "من فضلك انزل من هذا القطار". طعن كريستيان الرجال الثلاثة. نزف أحدهم حتى الموت على متن القطار، وأعلن عن وفاة الثاني في مستشفى محلي، ونجا الثالث.

 

  جيرمي كريستيان في المحكمة بعد اتهامه بقتل رجلين طعنا

 

استمرت الدائرة في دوررتها. وبعد تسعة أيام من الهجوم، تحديدًا في 4 (يونيو/حزيران)، استضاف مؤيدو ترمب مسيرة أخرى في بورتلاند. وضم هذا التجمع تشابمان، الذي اكتسب شهرة من هجومه على مناهضي الفاشية في بيركلي. ألقى النشطاء المعارضون للفاشية الحجارة إلى أن فرقتهم الشرطة بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع.

 

ما يتآكل في بورتلاند هي الميزة التي يراها ماكس ويبر أساسية لنجاح الدولة: إنه احتكار العنف المشروع، وباعتبارهم أعضاء في حركة فوضوية كبيرة، لا يريد مناهضو الفاشية أن توقف الحكومة العنصريين البيض عن التجمع، بل يريدون القيام بذلك بأنفسهم؛ مما يجعل الحكومة عاجزة. وبمساعدة نشطاء يساريين آخرين، فإنهم يحققون بالفعل بعض النجاح في تعطيل الحكومة. وقد قطع المتظاهرون الكثير من اجتماعات مجلس المدينة الذي اجتمع في (فبراير/شباط) الماضي خلف أبواب مغلقة. ففي (فبراير/شباط) و(مارس/آذار)، قامت مجموعة من الناشطين بإعاقة عمدة بورتلاند المدينة تيد ويلر حتى في منزله، مما اضطره للجوء إلى فندق، وذلك احتجاجا على عنف الشرطة واستثمارات المدينة في خط أنابيب داكوتا.. وحذرت رسالة البريد الإلكتروني الحاسمة لمنظِمي المسيرة "لا يمكن للشرطة منعنا من إغلاق الطرق".

 

قد يتصور الأشخاص، الذين يمنعون الجمهوريين من التجمع بأمان في شوارع بورتلاند، أنهم أنفسهم معارضون شرسون للسلطوية المتزايدة على الحق الأميركي. بيد أنهم في الحقيقة هم أنفسهم حلفاؤها غير المحتملين

يثير كل هذا مخاوف مؤيدي ترمب، الذين يشككون في أن المعاقل الليبرالية ترفض حماية حقهم في حرية التعبير. وقد قال لي جوي غيبسون، أحد مؤيدي ترمب الذي نظم مسيرة بورتلاند في 4 (يونيو/حزيران)، إن "أكبر المساوئ تكون عندما يتخلى رؤساء البلديات عن الشرطة.. وهم لا يريدون أن يتجمع المحافظون ويتحدثون". جلب غيبسون مليشيا يمينية متطرفة تدعى "حُرّاس اليمين" لتوفير الأمن في التجمع. وفي أواخر (يونيو/حزيران)، أعلن جيمس بوخال، رئيس الحزب الجمهوري في مقاطعة مولتنوماه، أنه سيستخدم أيضا أفراد المليشيات من أجل الأمن؛ لأن "المتطوعين لا يشعرون بالأمان في شوارع بورتلاند".

 

وتعتقد أنتيفا أنها تسعى إلى ما هو عكس الاستبداد. وقد عارض العديد من نشطائها فكرة الدولة المركزية. غير أن معارضي الفاشية منحوا أنفسهم -باسم حماية الضعفاء- سلطة تقرير مَن مِن الأميركيين يستطيع التجمع علنا ​​ومن لا يستطيع ذلك؛ وهذه السلطة لا تستند إلى أساس ديمقراطي. على عكس السياسيين الذين يَنتقدونهم، فلا يمكن للرجال والنساء من أنتيفا التصويت خارج مكتبهم. وعموما، فإنهم لا يكشفون حتى عن أسمائهم.

 

تتماشى شرعية أنتيفا المتصورة في علاقة عكسية مع الحكومة. وهذا ما يفسر نمو الحركة كما لم يحدث من قبل في عصر ترمب. وبينما يُوجه الرئيس القواعد الليبرالية الديمقراطية ويخففها، يواجه التقدميون خيارا؛ إذ يمكنهم إعادة الالتزام بقواعد اللعب النزيه، ومحاولة الحد من تأثيرات الرئيس المدمرة، على الرغم من أنها تفشل في الغالب. أو يمكنهم، في حالة من الإحباط أو الخوف أو الغضب الصريح، أن يحاولوا حرمان العنصريين ومؤيدي ترمب من حقوقهم السياسية. يأخذ النَهج الأخير في النهوض من ميدلبري إلى بيركلي وحتى بورتلاند، ولا سيما بين الشباب.

 

يمكن استيعاب الانفجار والخوف والغضب. لكن ثمة شيء واضح: قد يتصور الأشخاص، الذين يمنعون الجمهوريين من التجمع بأمان في شوارع بورتلاند، أنهم أنفسهم معارضون شرسون للسلطوية المتزايدة على الحق الأميركي. بيد أنهم في الحقيقة هم أنفسهم حلفاؤها غير المحتملين.
  
=================================================
  
مترجم عن: (ذا أتلانتيك)
المصدر : الجزيرة