شعار قسم ميدان

ترمب والنجاة من الفضيحة..هل ينجح فيما فشل به نيكسون؟

ميدان - ريتشارد نيكسون
مقدمة الترجمة
يتناول التقرير استراتيجية ترمب للإفلات من كماشة التحقيقات التي تنطبق عليه شيئا فشيئا. ويشير إلى اتباعه نفس استراتيجية نيكسون ثلاثية المحاور التي لم تنقذه من فضيحة ووترجيت. لكنه يخلص إلى أن ترمب قد يكون قادرا على النجاح في ما فشل فيه نيكسون.

       

نص التقرير
لم يكن لأي رئيس تأثير على ترمب مثل التأثير الذي تركه ريتشارد نيكسون. منذ انطلاق الحملة الرئاسية عندما حاول ترمب التقرب من الأغلبية الصامتة عبر الدعوة إلى استعادة القانون والنظام على طول الحدود وفي المدن، لم يتوقف الناس عن المقارنة بينهما. ومنذ أن بدأت تحقيقات الكونغرس ووزارة العدل حول علاقة حملة ترمب وإدارته بروسيا بالتكشف، ظلت المقارنة بين هذا الموقف وفضيحة ووترجيت تتأرجح أمام البعض. بعض هذه المقارنات كان مفيدا وأشار إلى سوابق ذات صلة وبعضها كان مبالغا فيه.

      

لكن في الوقت الذي يبدأ فيه المستشار الخاص روبرت مولر مرحلة جديدة وأكثر حدة في تحقيقاته، وهو نفس الوقت الذي يحوم فيه المدعي العام وفريقه حول الرئيس نفسه أكثر فأكثر، فإن شيئا واحدا يبدو جليا ـ وهو كما لو أن الرئيس ترمب ينقل مباشرة من دليل ريتشارد نيكسون، حيث طبق الأخير استراتيجية المحاور الثلاثة لمحاربة التحقيق.

       

الإدعاء بأن الرئيس لا يستطيع في الحقيقة تعطيل سير العدالة، وهي حجة أصدرها البيت الأبيض هذا الأسبوع، تنبع مباشرة من تعليق نيكسون الشهير لمذيع التلفاز ديفيد فروست في عام 1977. فقد قال نيكسون وقتها "عندما يقوم بها الرئيس فهي ليست مسألة غير قانونية". صدم هذا التعليق العديد من الأمريكيين الذين تفاجؤوا لسماع مثل هذا الدفاع الوقح عن الصلاحيات التنفيذية من رئيس ملطخ الشرف، لكن التعليق عكس رؤيته الحقيقية لسلطته. حين تكشفت فضيحة ووتر جيت خلص مكتب الشؤون القانونية في وزارة العدل إلى أنه ليس من الممكن توجيه التهمة إلى الرئيس ومحاكمته جنائيا. بل ولم يحترم نيكسون حتى سلطة المدعي الخاص.

            

    

حين كانت الأمة تشتعل غضبا في أكتوبر/تشرين الأول 1973 عندما تحرك الرئيس لفصل المدعي الخاص أرشيبالد كوكس، اعتقد نيكسون أن لديه السلطة لاتخاذ القرارات اللازمة التي تشمل تعيينات السلطة التنفيذية. في رسالة وجهها إلى روبرت بروك، الشخص الوحيد الذي كان مستعدا لتنفيذ الأمر، فقد اتهم كوكس برفضه الخضوع لأوامره قائلًا "من الواضح أن حكومة الولايات المتحدة لن تكون قادرة على العمل إن  كان بإمكان موظفي السلطة التنفيذية رفض تنفيذ تعليمات الرئيس بهذه الطريقة". مستخدما صلاحياته التنفيذية رفض تسليم تسجيلات البيت الأبيض إلى الكونغرس أو المدعي الخاص ليون جاوركسي، ومحذرا من أن "فعل ذلك يمثل سابقة ستعيق الرؤساء المستقبليين عن إجراء المحادثات" حتى أجبرته المحكمة العليا في يوليو/تموز 1974 على تسليمها.

          

رؤيته التوسعية للرئاسة امتدت إلى ما هو أبعد من التحقيق. قبل أن تسمع الأمة يوما مصطلح ووترجيت، استعرض الرئيس عضلاته الرئاسية بشكل كبير عندما تحفظ على الأموال التي خصصها الكونغرس ــ رافضا إنفاق المال ــ واشعل حربا سرية في كمبوديا. من الواضح أن الرئيس ترمب يحاول استدعاء نفس النوع من السلطة الرئاسية المطلقة وغير المسؤولة، وسيعتمد على هذا الإدعاء في الشهور المقبلة عندما يواجه استجوابا مضاعفا.

            

بما أن السلطة التنفيذية قد لا تكون كافية وحدها، يصعد ترمب من حملته لتشويه سمعة العديد من المؤسسات التي تحقق بشأنه. على الجانب الآخر يستمر هجوم الرئيس على "الأخبار المزيفة" ويزداد نقده لمكتب التحقيقات الفيدرالية ووزارة العدل، والآن يشن هجوما واسع النطاق على مولر وفريقه. يشبه هذا الجزء من استراتيجية ترمب أيضا طريقة نيكسون كثيرا. أحب الرئيس نيكسون مطاردة مهاجميه. الصحافة كانت هدفه المفضل. مثل ترمب، اعتبر نيكسون أن مؤسسة الإعلام الليبرالية تسعى لإسقاطه. كان نيكسون أكثر تحفظا في تعليقاته على بعض التقارير المعينة، إلا أنه أطلق أيضا حملة مستمرة على الطريقة التي يريد بها الصحفيون إسقاطه من رأس السلطة لأنه محافظ أكثر من اللازم ولأنه لم يكن جزءا من المؤسسة.

          

يتخذ ترمب عدة خطوات بدت غير مرتبطة لكنها تهدف كلها لتعزيز الدعم داخل الأجزاء المهمة من الحزب الجمهوري
يتخذ ترمب عدة خطوات بدت غير مرتبطة لكنها تهدف كلها لتعزيز الدعم داخل الأجزاء المهمة من الحزب الجمهوري
     

نيكسون الذي اعتبر الصحافة عدوا له لم يخجل من مشاعره، بل هاجم الصحافة في خطاباته واحتفظ بقائمة تضم أعداءه من الصحفيين الذين لا يحبونه، واتخذت وزارة العدل موقفا حادا ضد الصحفيين الذين يحجبون مصادرهم. عندما سأله أحد الصحفيين في سبتمبر/أيلول 1973 عن مشاعره تجاه خسارة الثقة الشعبية في قيادته، رد نيكسون باقتضاب "من الصعب أن تهاجم رئيس الولايات المتحدة بكل الطرق، الغمز واللمز والتصريح والتلميح من قبل المعلقين ــ ولهم كامل الحق في ذلك ــ دون أن تتعرض الثقة الشعبية له بالضرر". وليام بالي رئيس مجموعة كلومبيا الإذاعية رد على الهجوم المتكرر على الصحافة قائلًا إنهم "سيستمرون في فعل ما يلزم من جمع الأخبار ونشر التقارير والتحليل …".

 

هاجم نيكسون، كذلك، فريق الكونغرس الديمقراطي لإثارته تحقيق ووترجيت واعتبره انقلابا حزبيا. أخبر نيكسون آل هيج قائلا  "سأهاجمهم وسأدمرهم وسيتحطمون بالكامل. إنهم لا يدركون ما يواجهونه". نائب الرئيس جيرالد فورد الذي سُمي لاحقا بمعالج الأمة، اشتكى في أبريل / نيسان 1974 من أن الديمقراطيين مذنبون "لاستغلالهم الدائم" لقضية ووترجيت. ووصف التحقيق بأنه استراتيجية سياسية تستهدف الفوز في انتخابات التجديد النصفي في 1974. "لا يمكننا أن ندع قضية ووترجيت تتحول إلى ستار دخاني تخفي خلفها قضية انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الحقيقية من الساحل إلى الساحل . في خطاب حالة الاتحاد لعام 1974 أعلن نيكسون للأمة قائلًا "عام واحد من ووترجيت أكثر من كاف". جدير بالذكر أن نيكسون وترمب كانا مستعدين للكذب وإخفاء الحقائق من خلال مهاجمة خصومهما بغرض النجاة.

                          

ريتشارد نيكسون (غيتي)
ريتشارد نيكسون (غيتي)

          

وأخيرًا يحاول ترمب حشد الدعم السياسي على قاعدة الحزب الجمهوري وهو المحور الثالث من استراتيجيته الدفاعية. في هذه الأيام الأخيرة رأينا الرئيس وهو يتخذ عدة خطوات بدت غير مرتبطة لكنها تهدف كلها لتعزيز الدعم داخل الأجزاء المهمة من الحزب الجمهوري. اقترب من تحقيق خفض هائل في الضرائب وهو ما يثير شهية رجال الأعمال ومضاربي وول ستريت الداعمين للحزب. ومن أجل خفض الضرائب بمثل هذا القانون، سيكونون مستعدين لتجاهل أي شيء آخر. كما أعلن الرئيس تأييده العلني لروي مور في انتخابات مجلس ولاية ألاباما، برغم اتهامه بالاعتداءات الجنسية على فتيات، ناهيك عن أجندته المتطرفة في قضايا مثل حقوق الشواذ وهي خطوة جريئة تهدف لإثارة المحافظين الإنجيليين الذين يرون هذا الترشيح باعتباره فرصة لهم ضد الإجهاض. وأيضا، أعلن أن الإدارة ستتراجع عن فرض الحماية الفيدرالية عن أرض أوتاه وهو قرار يطرب آذان الجناح اليميني المعارض لإجراءات حماية البيئة والذين سعوا لمثل هذه الإجراءات منذ الثمانينيات. أعلن أن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهي خطوة جريئة قد تؤدي إلى اشتعال العنف في المنطقة. كان القرار يهدف إلى الحصول على دعم اليهود الأمريكيين المحافظين المستعدين لإغماض عيونهم عن تودده للمنظمات المعادية للسامية مقابل هذا القرار.

          

 تودد نيكسون، أيضًا، لليمين في شهوره الأخيرة في منصب الرئيس. كما قال ميج جايكوب في كتابه "فزع في المضخة Panic at the Pump" اتخذ نيكسون خطوات سياسية كبيرة في أعوامه الأخيرة كانت تهدف لاستجلاب دعم الجمهوريين المحافظين، في الوقت الذي بدا فيه أن مستقبله السياسي في خطر. واستمع بحرص لنصائح ألكسندر هيج الذي كان مدير طاقمه حينها والذي أخبره أنه كان من الخطير الاحتفاظ "بالدعم التقليدي" بحلول 1974. وهكذا، تخلى نيكسون عن المقاربات الوسطية التي ميزت فترته الرئاسية الأولى، واتخذ موقفا أكثر قوة من خلال سياسة إلغاء الضوابط على الاقتصاد والطاقة.

 

كتاب
كتاب "فزع في المضخة Panic at the Pump" لميج جايكوب (مواقع التواصل)

 

لم تنجح استراتيجية المحاور الثلاث في انقاذ نيكسون. وفي النهاية أصبحت الفضيحة بينة إلى درجة أنها قلبت الرأي العام ضده وكان الكونغرس مستعدًا للمضي قدمًا في إجراءات الاتهام. ربما يكون ترمب قادرًا على إنجاز ما فشل فيه نيكسون. لديه عدد من الميزات التي افتقدها نيكسون، ابتداءً من سيطرة جمهوريين متشددين على الكونغرس والذين أملت عليهم حساباتهم السياسية الوقوف مع رئيسهم بغض النظر عما يفعله، بالإضافة إلى وجود وسائل إعلام محافظة تبث وجهات نظره باستمرار.

          

أولئك الذين يعتقدون أن التحقيقات المضرة ستنتج نتائج سياسية سلبية للرئيس ترمب لا يجب أن ينخدعوا. السؤال المطروح على الطاولة سيكون: ما الذي بإمكان روبرت مولر وفريقه فعله لمواجهة هجوم ترمب المضاد؟ هل بإمكانهم الصمود في وجه الهجوم المستمر الذي يواجهونه، والذي سيصبح أكثر سوءً كلما زاد الخناق على الرئيس، وهل سيكون التقرير الأخير الذي سيعده الفريق مضرًا إلى درجة اختراقه لحاجز الاستقطاب الحزبي الذي يحمي هذا الرئيس؟ هل سيتخذ الكونغرس الجمهوري خطوات أكثر حمائية أم سيكون هناك كونغرس ديمقراطي في 2018 لتجاوز هذا الركود؟ هل سيكون بإمكان مولر خلق طريق قانوني تقبله المحاكم يُخضِع الرئيس للمحاكمة الجنائية؟

      

إذا كانت الإجابة هي "لا"، سيكون ترمب قادرًا بكل تأكيد على النجاح فيما فشل فيه نيكسون في الأيام المظلمة لصيف عام 1974. قد يكون الرئيس قادرًا على الفوز على المحققين بغض النظر عما يجدونه.

 ______________________________________________________

    

مترجم عن: ذا أتلانتيك

المصدر : الجزيرة