شعار قسم ميدان

كيف كشفت "عفرين" عن عجز السياسة الأميركية بسوريا؟

midan - ترمب وأردوغان
مقدمة الترجمة

اختلطت الأوراق بعد "عملية عفرين" فالأتراك تجاوزوا خطوطا حمراء أميركية، والأكراد وقعوا في فخ توافق الروس مع الاتراك، فأين تقف سياسات الولايات المتحدة داخل سوريا بعد عملية عفرين؟ وهل تتزايد الفجوة بين التحركات التركية والأميركية في الشمال السوري؟، تقرير فورين أفيرز التالي يلقي الضوء على ضرورة إعادة النظر في مجمل سياسات واشنطن تجاه الملف السوري 

 

نص التقرير

ازداد التوتر مؤخرا بعد التدخل التركي بمدينة عفرين، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال خطابه في ولاية بورصة غربي تركيا: إن الهجوم "لن ينتهي إلا بالقضاء على التنظيمات الإرهابية"، في إشارة إلى وحدات الدفاع الشعبي الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف تنظيما إرهابيا في تركيا. وأفاد تقرير لمركز أبحاث أميريكي أن الهجوم التركي على عفرين شمالي سوريا ورفض أنقرة الإصغاء للنصيحة الأميركية قد أظهر ضعف الولايات المتحدة، وزاد من عزلتها الإقليمية، داعيا الإدارة الأميركية إلى تعزيز التحالف مع الأكراد في شرق سوريا، وإلا فإنها ستخرج تماما من هناك.

    

في الأسبوع الماضي شنت تركيا هجوما للسيطرة على مدينة عفرين، وهي منطقة صغيرة ومعزولة تقع ضمن منطقة جبلية شمال غرب سوريا، وتسيطر عليها وحدات الدفاع الشعبي الكردية، وهي الجبهة السورية التابعة لحزب العمال الكردستاني الذي خاض تمردا في جنوب شرق تركيا لأكثر من ثلاثة عقود. وقد أثار الهجوم التركي الحديث حول الإستراتيجية الأميركية في سوريا، وعلى وجه الخصوص ما إذا كان بإمكان واشنطن موازنة علاقاتها مع تركيا – إحدى حلفاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" – والأكراد السوريين، الذين كانوا شركاء الولايات المتحدة الأكثر موثوقية في الحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا.

    

ومع ذلك، فإن هذه المناقشات محدودة للغاية وتخفي الكثير من الأسئلة الأوسع نطاقا، والتي لم يُرد عليها حتى الآن حول وجود الولايات المتحدة في سوريا. وبعد أن صار الآن انتصار النظام السوري على العناصر المتبقية من المعارضة المناهضة للنظام أمرا لا مفر منه، تبرز أسئلة مثل، كيف ستُدير واشنطن هذا النصر لقوات الأسد؟ والأهم من ذلك، كيف ستخرج الولايات المتحدة من سوريا؟

         

الأرق في سوريا
لا تعمل الولايات المتحدة وتركيا بمعزل عن الأحداث المؤثرة في سوريا، ولا تزال إيران وروسيا، يواصلون دعمهم لنظام الأسد في محاولاته لاستعادة السيطرة على غرب وشرق سوريا
لا تعمل الولايات المتحدة وتركيا بمعزل عن الأحداث المؤثرة في سوريا، ولا تزال إيران وروسيا، يواصلون دعمهم لنظام الأسد في محاولاته لاستعادة السيطرة على غرب وشرق سوريا
             
في الوقت الذي كادت فيه الحرب ضد تنظيم الدولة أن تنتهي، تركز حاليا فرقة عمليات خاصة تابعة للولايات المتحدة تتخذ من سوريا مقرا لها على مطاردة وقتل قيادات تنظيم الدولة وبسط سيطرتها على الأراضي التي يسيطر عليها بقايا الجماعة في الصحراء السورية. وقد أدى هذا التحول في التركيز إلى تغيير طفيف في تدريب قوات سوريا الديمقراطية  بقيادة الولايات المتحدة، وهي الميليشيات العربية الكردية المشتركة بقيادة وحدات الدفاع الشعبي الكردية من تكتيكات المشاة الأساسية إلى تلك التكتيكات التي تركز بشكل أكبر على المواقع الدفاعية. وقد حدث هذا بالتوازي مع طرح الرئيس الأميريكي دونالد ترمب لسياسة سورية جديدة، من شأنها أن تلزم القوات الأميركية بالحفاظ على وجودها في المنطقة الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية من أجل مواصلة القتال ضد تنظيم الدولة والتحوط ضد أي محاولة من قبل نظام الأسد للتوسع في المنطقة.

    

لا تعمل الولايات المتحدة وتركيا بمعزل عن الأحداث المؤثرة في سوريا، ولا تزال الأطراف الخارجية الرئيسية الأخرى مثل، إيران وروسيا، يواصلون دعمهم لنظام الأسد في محاولاته لاستعادة السيطرة على غرب وشرق سوريا. وعلى الجبهة الشرقية، سيطر النظام، بدعم من المستشارين الإيرانيين والقوات الجوية الروسية، على جزء كبير من الأراضي الواقعة غرب نهر الفرات. وعلى الجبهة الغربية يقاتل النظام وحلفاؤه جماعات المعارضة المدعومة من قبل تركيا وإحدى الميليشيات المرتبطة بتنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام، لربط محافظة حلب التي تسيطر عليها دمشق حاليا مع إدلب التي يسيطر عليها المتمردون.

     

وقد تخلت واشنطن الى حد كبيٍر عن الحرب في الجبهة الغربية، ولكنها أوضحت أنها تعتزم البقاء إلى أجل غير مُسمى في الشمال الشرقي حيث تمثل شراكتها الحالية مع قوات سوريا الديمقراطية محورا لجهود ذات شقين، الشق الأول؛ على الجانب العسكري؛ لأن المجموعة لديها وحدة صغيرة متخصصة في مكافحة الإرهاب وعلاقات وثيقة مع القوات الخاصة الأميريكية، والذي يعد أمرا بالغ الأهمية للجهود الرامية إلى مطاردة وقتل قادة تنظيم الدولة. والشق الثاني؛ على الجانب السياسي،إذ تهدف الحاميات (الثكنات) العسكرية الأميريكية إلى زيادة نفوذ واشنطن في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، والتي تدفع إلى اتفاق من شأنه أن يزيح الأسد عن السلطة في انتخابات مستقبلية.

                    undefined

                    

في الواقع، يمكن أن تثبت قوات سوريا الديمقراطية أنها محور الصفقة الأميركية الروسية حول سوريا. فقد عارضت روسيا صراحة وجود الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى في البلاد. ومع ذلك، يجب على موسكو أن توازن بين غرائزها الضيقة النطاق والمناهضة للولايات المتحدة مع أهدافها السياسية الأوسع نطاقا؛ وهي أن تترك وراءها نظاما صديقا، ومن الأفضل أن يكون نظاما يستمر فيه الأسد في اعتلاء السلطة. غير أن قوات سوريا الديمقراطية، وخلافا لمعظم المعارضة، لم تلتزم أبدا بتغيير النظام. وبدلا من ذلك، حافظت على معاهدة مستقرة نسبيا مع النظام بعدم اللجوء إلى العنف، وتمكن الجانبان من منع التصعيد العسكري غير المقصود خلال أوقات التوتر.

    

ولا يمكن التوصل بسهولة إلى اتفاق دائم بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام. إذ أن قوات سوريا الديمقراطية ملتزمة فكريا وعقائديا بمفهوم اللامركزية المتطرف والحكم المحلي المستقل، وهو أمر يبغضه نظام الأسد، كما وسعت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على المنطقة التي تتجاوز بكثير معاقلها ذات الأغلبية الكردية على طول الحدود السورية التركية. وقد استلزم توسع السيطرة الكردية على المدن ذات الأغلبية العربية على طول نهر الفرات، التوصل إلى حل وسط مع السكان العرب المحليين وإدماج المجندين العرب والميليشيات في البنية الفوقية لقوات سوريا الديمقراطية، والتي من خلالها تحافظ على توازنها الاجتماعي والسياسي. وقد سمح ذلك للمجموعة بالعمل مع السكان العرب المحليين، القادمين غالبا من المناطق الريفية بالقرب من المراكز الحضرية لإدارة مجالس الحكم المحلية المكلفة بمسؤولية حكم المدن والبلدات التي سيطر عليها تنظيم الدولة في السابق. ولكسب الدعم العربي في بعض المناطق، تعهدت قوات سوريا الديمقراطية بعدم السماح بعودة النظام، وهو وعد لا يمكن الحفاظ عليه بسهولة إلا إذا استمرت القوات الأميركية بالبقاء في مكانها.

    

فن إجراء الصفقات
وبطبيعة الحال، تتمثل القضية الأطول أجلا، في أن الجيش الأميركي لن يبقى في سوريا إلى الأبد. ويشير مسار الصراع بوضوح إلى انتصار النظام في الجبهة الغربية. ومن شأن ذلك أن يترك منطقة صغيرة معزولة تديرها تركيا تربط عفرين مع شمال حلب الذي تحتله تركيا، محاطة بالوجود العسكري من قبل قوات النظام وإيران وروسيا على طول الساحل الغربي وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في شرق سوريا. وستظل الحدود بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية متوترة، غير أن أنقرة قد تواجه قيودا إذا اختارت استخدام الأراضي التي تُسيطر عليها كقاعدة للعمليات العسكرية الهجومية. ولا تزال جماعات المعارضة التي اختارتها تركيا مثل فرقة السلطان مراد وفيلق الشام وأحرار الشام ملتزمة بالإطاحة بنظام الأسد.
       
تواجه تركيا تحدي أن الجماعات التي تدعمها كانت معادية للنظام باستمرار، وهذا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى هجوم بقيادة النظام لإخلاء الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا
تواجه تركيا تحدي أن الجماعات التي تدعمها كانت معادية للنظام باستمرار، وهذا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى هجوم بقيادة النظام لإخلاء الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا
          
وعلى النقيض من ذلك، سيتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تتحكم في تفاعلاتها الداخلية. وقد نجحت وحدات الدفاع الشعبي الكردية في إدارة العلاقات مع النظام ببراعة، في مقابل التمتع ببعض الحكم الذاتي؛ يمكنها أن تحاول التوصل إلى اتفاق سلام مع الأسد، استنادا إلى الحكم اللامركزي من قبل المجالس المحلية التي تدير شؤون الحكم في المدن السورية. إلا أن التحدي الذي ستواجهه هذه الصفقة سيأتي من العناصر العربية داخل قوات سوريا الديمقراطية، والتي ستعارض عودة النظام حتى لو بشروط ميسّرة في الإقليم الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، وقد تختار القتال من أجل الحفاظ على السيطرة على المدن والبلدات. ومع ذلك، فإن هذه الميليشيات العربية ضعيفة ويمكن أن تجبرها وحدات الدفاع الشعبي الكردية على قبول السلام المتفاوض عليه، ما دام النظام يقدم بعض التنازلات.       

    

وقد تشارك روسيا مصالح وحدات الدفاع الشعبي الكردية في ضرورة التوصل إلى اتفاق. وبالتالي، يمكن أن تكون موسكو طرفا مهما في المساعدة على التوسط في اتفاقات مع الأكراد السوريين في الشمال الغربي، حيث الجيش الروسي هو الممثل الخارجي المهيمن. غير أن السلام المتفاوض حوله بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية يعتبر السبيل الوحيد أمام الولايات المتحدة لكي تترك وراءها شمال شرق سوريا والذي يعد أمرا ضروريا لأنه يشيع مزيدا من الاستقرار، وهنا قد تتداخل مصالحها بصورة محدودة مع مصالح موسكو. إلا أن مثل هذه النتيجة تشكل عقبة أمام الموقف التركي، ولكن أنقرة أضعف من روسيا والولايات المتحدة، وتواجه تركيا أيضا تحديا طويل الأجل؛ يتمثل في أن الجماعات التي تدعمها كانت معادية للنظام باستمرار، ومن ثَم سوف ينظر إليها دائما على أنها تمثل تهديدا، وهذا قد يجعل المواقف التركية في سوريا لا يمكن الدفاع عنها ويمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى هجوم بقيادة النظام لإخلاء تلك الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا.

    

يظهر أمام الولايات المتحدة طريق واضح للانسحاب، وهو إجراء تسوية تفاوضية بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام. وتشارك موسكو هذا الاهتمام الدقيق (المصلحة المحدودة). لكن وجهات نظر الجانبين تتباين حول مسألة ما إذا كان الأسد يجب أن يظل في السلطة أم لا. وتلتزم إدارة ترمب بعملية نقل السلطة، لذلك قد يكون من الصعب التوصل إلى حل وسط مع واشنطن.

    

لا تزال الحرب السورية في حالة تغير مستمر، فبالنسبة للولايات المتحدة يتطلب الانسحاب اتخاذ خيارات صعبة بشأن نظام لا تزال واشنطن تريد إزالته. وعلى المدى القصير، من المنتظر أن تصبح الأمور أكثر تعقيدا. أما على المدى الطويل، فالنتيجة واضحة إذ سيفوز النظام بحربه ضد الكثير من المعارضة. وبالنسبة للولايات المتحدة، يتمثل التحدي الآن في الاعتراف بهذا النصر والانسحاب وفق شروط مقبولة.

 _____________________________________________________

             

مترجم عن: فورين أفيرز

المصدر : الجزيرة