شعار قسم ميدان

الصين في الشرق الأوسط.. عن ماذا يبحث التنين؟

midan - رئيسية الصين1

طالما كان الشرق الأوسط ساحة تتنازع عليها مصالح متشابكة ومتضاربة. فالانسحاب الأميركي التدريجي من المنطقة وتزايد مصالح الصين الاقتصادية، وموقف بكين الأكثر ثقة تجاه التفاعلات الأجنبية، فضلا عن مبادرتها "حزام واحد، طريق واحد" [1](OBOR) منذ عام 2013، أدت إلى تصاعد التكهنات حول مسار العلاقات الثنائية بين الصين ودول الشرق الأوسط. ويتصاعد على وجه التحديد صوت يقول إن الصين تطور سياسة عربية كبرى جديدة وتتجه نحو الشرق الأوسط لسد الفراغ في السلطة الذي خلّفه الانسحاب الأميركي. ومن ناحية أخرى، يهاجم بعض الباحثين الطبيعة المتغيرة لسياسة الصين تجاه الشرق الأوسط، بحجة أن سياسة بكين تجاه المنطقة مدفوعة باحتياجاتها الاقتصادية المحلية وأن الانخراط العسكري والدبلوماسي الصيني في المنطقة هو محض انخراط سطحي ورمزي في أحسن أحواله.

    

شهد انخراط الصين مع الشرق الأوسط توسعا كبيرا منذ نهاية الحرب الباردة. مع تزايد الطلب الصيني على الطاقة، ازدادت مشاركة بكين الاقتصادية مع المنطقة بشكل أكبر خلال السنوات الماضية. وفي الآونة الأخيرة، شهد عام 2016 حدثا مهما في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط في سلسلة من التحركات السياسية غير العادية لبكين، بما في ذلك إصدار بكين أول ورقة سياسة عربية في 13 يناير/كانون ثاني من ذلك العام، والرحلة الأولى للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى دول الشرق الأوسط في المملكة العربية السعودية ومصر وإيران خلال الفترة من 19 إلى 23 يناير/كانون ثاني في العام نفسه، بالإضافة إلى تفسير الصين لهذه الرحلة باعتبارها نوعا جديدا من العلاقات الدولية والدبلوماسية. يبدو أن علامات التغيير البارزة هذه تشير إلى سياسة مختلفة تجاه المنطقة.

 

كما أنها تثير سلسلة من التساؤلات: هل تشهد سياسة الشرق الأوسط في الصين تغييرات جذرية؟ وإلى أي اتجاه تتطور؟ إلى أي مدى تتمحور بكين حول الشرق الأوسط؟ هل تعمل الصين تحت حكم شي جين بينغ بنشاط على ملء فراغ السلطة الذي خلّفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ أم أن بكين استمرت في المقام الأول في سياستها الخارجية بعدم التدخل؟ وأخيرا، ما الذي يعنيه الشرق الأوسط بالنسبة إلى الصين اليوم سياسيا واقتصاديا وإستراتيجيا؟ يستكشف هذا البحث هذه الأسئلة من خلال الأبحاث الأرشيفية وتحليل الوثائق الحكومية والخطابات الرسمية لإدارة شي جين بينغ. ومن خلال استكشاف الأدبيات الموجودة، والوثائق والبيانات الحكومية، والتقارير الرسمية لوكالة أنباء الصين، وكذلك الخطابات التي ألقاها المسؤولون الحكوميون الصينيون منذ عام 2013 على وجه التحديد، يرسم البحث ديناميكيات تفاعل الصين مع الشرق الأوسط في سياق تاريخي أوسع.

     

      

تاريخ العلاقات بين الصين والشرق الأوسط

رغم مرور أكثر من ألفي عام على تاريخ التفاعل والعلاقات الثنائية، فإن التبادل بين الكيانين لم يكن دائما تبادلا سلسا. في حين شجع مؤتمر باندونغ الآسيوي الأفريقي عام 1955 لأول مرة التفاعلات الثنائية بين جمهورية الصين الشعبية ودول الشرق الأوسط مثل مصر وسوريا واليمن، فقد أوقف صراع الحدود الصينية السوفيتية (1956-1966) والثورة الثقافية الصينية العلاقات. لم يستأنف الطرفان التفاعلات حتى أوائل السبعينيات عندما قبلت جمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، مما أدى إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين الصين وإيران والكويت ولبنان والأردن وتركيا. وفي عهد دنغ شياو بينغ[2]، بلغ النجاح الدبلوماسي الصيني ذروة أخرى حين أقامت بكين علاقات دبلوماسية مع جميع دول الشرق الأوسط في التسعينيات، وقدم الاقتصاد الصيني سريع النمو المنتجات والفرص؛ فساعدت دول الشرق الأوسط بدورها الصين على تلبية حاجتها المتزايدة إلى الطاقة والموارد.

 

ورغم التورط الشديد للشرق الأوسط في الصراعات العسكرية التي غذّتها الولايات المتحدة في بداية الألفية الجديدة، ظلت العلاقات بين الصين والمنطقة قوية. ومع تزايد المصالح الاقتصادية، أنشأت الصين منتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) في عام 2004، ليكون "بمنزلة منصة لتبادل وجهات النظر بين الصين والدول العربية، وتعزيز التعاون في السياسة والاقتصاد والتجارة والثقافة والتكنولوجيا والشؤون الدولية أثناء العمل على تقدم السلام والتنمية". ومنذ ذلك الحين، عمل المنتدى كآلية مهمة لتسهيل التجارة والتعاون بين الجانبين. على الرغم من التحولات والانعطافات في العلاقات الثنائية، حافظت بكين باستمرار على خطابها الرسمي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإقليمية. غير أن هذا الحياد القوي خضع للاختبار في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات الكبيرة في كل من السياسة الداخلية للصين والوضع الإقليمي في الشرق الأوسط.

 

الديناميكيات الحديثة في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط

مع صعود شي إلى السلطة، تركت الصين رسميا وجهة نظر دنغ شياو بينغ العالمية التي تتلخص في "تجنب لفت الأنظار". كان يعتقد أن مبادرة "حزام واحد وطريق واحد" (OBOR) التي اقترحها شي في عام 2013 "قد وسعت بشكل كبير من النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي للصين على الشرق الأوسط على حساب التفوق الأميركي". زادت المصالح الصينية السياسية والاقتصادية المتزايدة في المنطقة الحاجة إلى تعزيز انخراطها في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات الداخلية المتزايدة مثل الإرهاب الداخلي وإعادة التوازن الاقتصادي تدفع الصين إلى المزيد من المشاركة والتعاون الوثيق مع المنطقة. في الوقت الذي اكتسبت فيه الصين مركز قوة واعية جديدة في عهد شي، رفعت هذه الهوية الوطنية المفترضة الجديدة والأكثر حزما التوقعات بأن تحمل بكين على عاتقها المزيد من المسؤوليات في الشؤون الإقليمية والدولية، مما شكل ضغوطا على الصين للمشاركة في طرق جوهرية في بناء السلام في الشرق الأوسط. وكما يكشف البحث، فإن انخراط الصين بالشرق الأوسط في عهد شي تزايد من حيث الحجم والأهمية، وتوسعت تفاعلات بكين مع المنطقة اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا وثقافيا.

  

المشاركة الاقتصادية

 

وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، تفوقت الصين على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخام من الشرق الأوسط في عام 2013، وتجاوزت الولايات المتحدة مرة أخرى لتصبح أكبر مستورد للنفط الخام في جميع أنحاء العالم في عام 2017. على الرغم من أن الصين حاولت تنويع مصادرها النفطية من دول خارج الأوبك خلال العقد الماضي، فإن من المتوقع أن يمثل الشرق الأوسط 70٪ من احتياجات الصين من الطاقة بحلول عام 2030. ورغم أهمية هذا الإحصاء، فإن مشاركة الصين الاقتصادية مع الشرق الأوسط تتجاوز مجال الطاقة. انطلاقا من مبادرة الصين "الحزام والطريق" وتسهيل منتدى التعاون الصيني العربي لها، تعمل الصين على إشراك المنطقة في مجالات متعددة. في عام 2014، اقترحت الصين نموذج "1 + 2 + 3" للتعاون مع الشرق الأوسط في المؤتمر الوزاري السادس للمنتدى الصيني العربي.

   

ووسّع الاقتراح التعاون الثنائي من الطاقة إلى مجالات متنوعة مثل البنية التحتية والتجارة والاستثمار، بالإضافة إلى التعاون التقني العالي في الطاقة النووية والأقمار الصناعية الفضائية ومبادرات الطاقة الجديدة الأخرى. ومع تجسد الاقتراح، قفزت استثمارات الصين في المنطقة. وتعد استثمارات الصين في صناعة النفط العراقية وتجارتها الثنائية مع المملكة العربية السعودية من بين أكثر الاستثمارات أهمية. بالإضافة إلى التعاون المكثف في مجال النفط والطاقة، تعهدت الصين والمملكة العربية السعودية بتطوير شراكات إستراتيجية شاملة وتعاون في مجالات الطيران والتمويل والطاقة النووية. في عام 2016، أنشأت الدولتان آلية ثنائية، وهي اللجنة المشتركة بين الصين والمملكة العربية السعودية رفيعة المستوى لتسهيل الشراكة الشاملة. إجمالا، ضمنت الدبلوماسية السريعة أثناء الرحلة الأولى إلى الشرق الأوسط في عام 2016 ما لا يقل عن 50 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم مع دول الشرق الأوسط.

 

كما وسعت الصين التعاون الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل في السنوات الأخيرة، وأكد المسؤولون الصينيون بمن فيهم الرئيس شي جين بينغ، ورئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، وكذلك وزير الخارجية وانغ يي، التزام الصين بتعميق التعاون الاقتصادي مع كل من إسرائيل والسلطة خلال الزيارات الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عام 2017. وعلى وجه التحديد، أعلنت الصين عن التزامها بالتعجيل بنشاط في المفاوضات الجارية حول منطقة التجارة الحرة بين الصين وإسرائيل. وناقش الجانبان سبل تعميق التعاون بينهما في مجالات متعددة تتراوح بين التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة والاتصالات. كما قدمت إسرائيل دعوة للصين للمشاركة في مشاريع بناء البنية التحتية في إسرائيل. فيما يتعلق بالسلطة، تلتزم الصين بمساعدة الفلسطينيين في زيادة قدرتهم على المساعدة الذاتية من خلال بناء المجمعات الصناعية، وتطوير محطات الطاقة الشمسية، وزيادة المساعدات الاستثمارية والاقتصادية. أكدت كل من إسرائيل والسلطة حرصهما على بناء"حزام واحد وطريق واحد" مشترك مع الصين.

   

لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)
لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)

   
ومن المتوقع أن تكون اتفاقية "OBOR" القوة المحركة لتوثيق العلاقات بين الصين والشرق الأوسط. ففي وقت كتابة هذا التقرير، ذكرت إدارة شي أن أكثر من 100 دولة رحبت بمبادرة "OBOR" ووقعت أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية اتفاقات ثنائية عليها. علاوة على ذلك، فقد بلغت استثمارات الصين في البلدان الواقعة على طول مسار الحزام الواحد والطريق الواحد مليار دولار أميركي في بداية عام. وحتى الآن، فإن القوى الإقليمية الرئيسية، بما فيها إسرائيل والسعودية وتركيا وإيران، جميعها على أهبة الاستعداد لبناء المبادرة مع الصين، وقد اتخذت العديد من هذه الدول خطوات عملية لتكون جزءا من هذه المبادرة الكبرى. في سبتمبر/أيلول 2017، علق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارة إلى بكين بأن إيران تأمل في إجراء تعاون مع الجانب الصيني في أقرب وقت ممكن. في أواخر عام 2017، عبر الملك سلمان بن عبد العزيز عن حرص المملكة العربية السعودية على دمج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 مع مبادرة الحزام والطريق من خلال اللجنة المشتركة الصينية – السعودية رفيعة المستوى في بكين.

 

المشاركة الدبلوماسية

تعد الأنشطة الدبلوماسية الصينية البارزة في الشرق الأوسط مألوفة في عهد شي، حيث تلعب الصين دورا متزايدا كوسيط السلام في النزاعات الكبرى في المنطقة. توسطت الصين في أزمة اليمن من خلال استضافة محادثات بين إيران والمملكة العربية السعودية خلال 2015-2016. في ديسمبر/كانون الأول 2017، استضافت الصين "ندوة السلام الفلسطينية الإسرائيلية". وفي مايو/أيار 2018، استضافت أيضا الندوة الدولية حول القضايا السورية. وفي إطار جهود الوساطة، قام المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط بزيارات مكثفة للبلدان المعنية لتسهيل محادثات السلام والمستوطنات السياسية خلال الأزمة الليبية والسورية. وفيما يتعلق بالأزمة النووية الإيرانية، قامت بكين بتيسير ودعم خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) من خلال آلية التشاور الثنائية مع إيران.

    

وزير الشؤون الخارجية في ايران، ونظيره وانغ يي (رويترز)
وزير الشؤون الخارجية في ايران، ونظيره وانغ يي (رويترز)

   

علاوة على كونها وسيطا للسلام، تحاول الصين أيضا أن تعمل على صياغة العلاقات من خلال كونها أكثر حزما في مجلس الأمن الدولي -بما في ذلك استخدام الفيتو عدة مرات فيما يخص الأزمة السورية- وبتبادل الحكمة الصينية في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط. بعد عرض اقتراح أربع نقاط في البداية لحل الأزمة السورية في عام 2012، كرر المسؤولون الصينيون مرارا "النهج الصيني" الذي يشدد على الوسائل السياسية والشاملة والانتقالية لإدارة الأزمة السورية. كما أجرت بكين تعديلات ملائمة على نهجها السوري مع تغير الوضع في البلاد. على سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اقترح وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مكافحة الإرهاب، والحوار، وإعادة الإعمار على أنها ثلاث نقاط أساسية لحل الأزمة السورية.

 

في حالة النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، اقترح شي مقاربة من أربع نقاط لمحمود عباس في يوليو/تموز 2017 لتعزيز التسوية السياسية للقضية. النقاط الأربع هي تطوير حل الدولتين على أساس حدود 1967، والتمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والمتعاون والمستدام، وإنهاء بناء المستوطنات الإسرائيلية على الفور، واتخاذ تدابير فورية لمنع العنف ضد المدنيين، والدعوة إلى استئناف مبكر لمحادثات السلام، وتنسيق الجهود الدولية لطرح تدابير معززة للسلام تنطوي على المشاركة المشتركة في أسرع وقت، وكذلك تعزيز السلام من خلال التنمية والتعاون بين الفلسطينيين وإسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، اقترح شي أيضا آلية حوار ثلاثية بين الصين والسلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد فترة وجيزة. خلال عملية الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أيدت الصين باستمرار حل الدولتين ودعمت إقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة والاستقلال الكامل على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وعلى نطاق أوسع، انخرطت الصين في مشاورات سياسية مع مجموعة كبيرة من الدول والمنظمات مثل تركيا وإيران وفرنسا وإسرائيل والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ودول بريكس[3]، وكذلك الأمم المتحدة في التوسط للسلام في الشرق الأوسط.

 

من الواضح أن الصين قد زادت في عهد شي من انخراطها في المنطقة دبلوماسيا على مستوى غير مسبوق. ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في هذا النشاط الدبلوماسي باعتباره طموحا صينيا مهيمنا لاستبدال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إن حقيقة استمرار الصين في الحفاظ على موقفها المحايد تجاه الأزمة اليمنية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأزمة سوريا وليبيا يظهر بوضوح جهود الصين لتجنب المسار الأميركي التدخلي في المنطقة. وفي مناسبات عديدة، أكد المسؤولون الصينيون أن الصين ليس لها مصالح خاصة في الشرق الأوسط وأن البلد مستعد للعب دور بناء في الشرق الأوسط من خلال دعم موقف غير متحيز وموضوعي بشأن الشؤون الإقليمية. في حديث شي إلى جامعة الدول العربية في عام 2016، كرر ما يلي:

  

بدلا من البحث عن وكيل في الشرق الأوسط، فإننا نشجع محادثات السلام. وبدلا من السعي إلى أي مجال نفوذ، ندعو جميع الأطراف للانضمام إلى دائرة الأصدقاء لمبادرة الحزام والطريق؛ وبدلا من محاولة ملء "الفراغ"، نبني شبكة شراكة تعاونية لتحقيق نتائج مفيدة للجميع.

  

  

وفي الخطاب نفسه، شدد شي على أن الصين ستناضل من أجل بناء السلام في الشرق الأوسط، وتعزيز التنمية والتصنيع وتدعم الاستقرار، فضلا عن كونها شريك الدبلوماسية العامة في الشرق الأوسط. وفي العام التالي، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي مجددا موقف الصين في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع وزير خارجية فلسطين: ليس لدى الصين أي اعتبار جيوسياسي في دورها في الشرق الأوسط، ولا نية لتحقيق التوازن مع أي بلد آخر. نحن نقترح دائما العدالة التاريخية ونؤيد الإنصاف الدولي في قضية الشرق الأوسط. ترحب الصين بأي بلد خارج المنطقة بما في ذلك الولايات المتحدة التي تريد دعم الشرق الأوسط أكثر، وإيلاء المزيد من الاهتمام للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

        

وأوضح وانغ يي كذلك موقف الصين في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية والهجرة الأردني أيمن الصفدي، بعد ثلاثة أشهر: إن دور الصين في قضية الشرق الأوسط هو بكل تأكيد دور بناء. لا تسعى الصين لتحقيق أي مصالح جغرافية ولا تسعى إلى أي مجال نفوذ في الشرق الأوسط، ولن تنحاز لأي طرف. ويقف الجانب الصيني على أهبة الاستعداد للالتزام بالموقف الموضوعي والمحايد للمضي قدما في التسوية السياسية للقضايا الساخنة بالمنطقة.

 

المشاركة العسكرية

وإلى جانب ازدهار الأنشطة الاقتصادية والدبلوماسية، عملت الصين على إشراك المنطقة عسكريا عبر مبيعات الأسلحة، ووجود قواتها البحرية، ومشاركتها في عمليات حفظ السلام، وتعاونها مع المعركة الإقليمية لمكافحة الإرهاب. مدفوعة بالتحديات الأمنية التي يشكلها المتطرفون من بين المسلمين الصينيين في شينجيانغ، أقرت الصين أول قانون لمكافحة الإرهاب في ديسمبر/كانون الأول 2015 مما يمهد الطريق لمشاركة عسكرية نشطة في بعثات مكافحة الإرهاب في الداخل والخارج. في إطار التعاون الثنائي، دعمت الصين العراق بنشاط في حربها ضد داعش من خلال تبادل المعلومات وتقديم التدريب. بالإضافة إلى ذلك، توسع التعاون العسكري مع إيران أيضا عندما أجرت الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة في الخليج الفارسي في يونيو/حزيران 2017. كما عقدت الصين تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب مع المملكة العربية السعودية في تشونغتشينغ، الصين. ولاحتواء التهديد الذي تشكله حركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM)، سعت الصين بنشاط إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب مع تركيا. علاوة على ذلك، خصص شي مساعدات بقيمة 300 مليون دولار لجامعة الدول العربية في عام 2016 لتعزيز قدرة الدول الأعضاء على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

   

    

إن التعاون العسكري المتزايد للصين في جميع أنحاء الشرق الأوسط يسير جنبا إلى جنب مع مبادرة شي لتحديث الجيش الصيني وزيادة المشاركة العسكرية الصينية في الحكم العالمي. منذ تولى شي منصبه في عام 2013، شدد على أهمية تحديث الجيش الصيني بشكل عام ودعم البحرية على وجه الخصوص. وتسير عملية التحديث العسكري في الصين بخطى أسرع من المتوقع لدرجة أن "الصين، وليست روسيا، هي التي توفر المعيار الذي ترتكز عليه واشنطن بشأن متطلبات القدرات لقواتها المسلحة". وكجزء من الجهود الشاملة لتحسين الإدارة والقدرات العسكرية، شكلت الصين وزارة شؤون المحاربين القدامى في مارس/آذار 2018 والتزمت بمزيد من المشاركة المالية والأفراد في مساعي الأمم المتحدة لحفظ السلام. على الرغم من التعاون العسكري المزدهر مع دول الشرق الأوسط على جبهة مكافحة الإرهاب، من الجدير بالذكر أن الصين لا تزال ممانعة للتحيز العسكري مع أي دولة في المنطقة. ووفقا لوزير الخارجية الصيني وانغ يي، "لن تشارك الصين في أي تحالف يقاتل" الجماعات الإرهابية "في الشرق الأوسط، ولكنها ستؤدي دورها العادل بطريقتها الخاصة".

 

المشاركة الثقافية

عززت الصين بقوة التبادلات الثقافية مع الشرق الأوسط في ظل إدارة شي. كانت هذه الجهود مدفوعة بالدرجة الأولى بحملات الدعاية لمبادرة الحزام والطريق الصينية على المسرح الدولي، التي شارك بها شي جين بينغ في جامعة الدول العربية في عام 2016. لتسهيل تبادل الأفكار والمواهب، تلتزم الصين والشرق الأوسط بالمشاركة في العديد من المبادرات الثقافية والأكاديمية مثل السنة الصينية – العربية، ومركز الأبحاث الصيني العربي، برنامج "ترجمة كتاب طريق الحرير"، برامج التبادل للباحثين، والمنح الدراسية للطلاب العرب والفنانين لزيارة الصين والدراسة فيها. وأعلنت الصين عن خطتها لترجمة 100 كتاب كلاسيكي إلى العربية والصينية معا. كما وعدت الصين بدعم تبادل 100 من العلماء والخبراء سنويا، وتوفير 1000 فرصة تدريب للقادة العرب الشباب، ودعوة 1500 من قادة الأحزاب السياسية العربية لزيارة الصين. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الصين بتوفير 10 آلاف منحة دراسية و10 آلاف فرصة تدريبية للدول العربية وتنظيم زيارات متبادلة لعشرة آلاف فنان صيني وعربي في العام نفسه. أخيرا، بدأت الصين التعاون بين 100 مؤسسة ثقافية من كلا الجانبين. بحلول عام 2016، كان عدد الطلاب الذين أرسلوا إلى الصين يتجاوز 14 ألفا، ويوجد حاليا ما يقرب من 12 معهدا من معاهد كونفوشيوس في الدول العربية.

   

    

مع تزايد هذه التبادلات الثقافية بين الصين والشرق الأوسط، يتزايد التفاهم المتبادل بين الشعبين. ومع ذلك، فإن المشاعر العامة تجاه الصين متقلبة في الشرق الأوسط. فقد كانت هناك مشاعر معادية للصين عندما دعمت بكين أنظمة مثل سوريا وإيران. في الحالة السورية، خرج العديد من الناس إلى الشوارع للاحتجاج ضد الحكومة الصينية في أعقاب استخدام الفيتو الصيني لقرار الأمم المتحدة الخاص بسوريا. وبالإضافة إلى ذلك، ظل الجمهور متشككا في صدق الصين المزعوم في تعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة. فيما يتعلق بإيران، لم يكن الرأي العام في الشرق الأوسط إيجابيا على الإطلاق. على الرغم من الإدراك الإيجابي العام للصين بين الجمهور الأوسع في الشرق الأوسط، فإن نفوذ الصين في المنطقة شبه خفي في أعين شعوب المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا وتركيا كما تم الكشف عنه في استطلاع أجرته مؤسسة بيو عام 2017 .

  

هناك علامات بارزة على كل من التغييرات في مشاركة بكين في الشرق الأوسط في ظل إدارة شي جين بينغ واستمراريتها. من الواضح أن مصالح بكين ورهاناتها في الشرق الأوسط قد تم تعزيزها بشكل كبير منذ عام 2013 عندما توقفت منطقة الشرق الأوسط عن كونها مصلحة هامشية. ومع ارتفاع حجم التجارة في الصين، والاستثمار الكبير في المنطقة، والدبلوماسية الاستباقية كوسيط للسلام، وتوسيع التفاعلات العسكرية، فضلا عن تركيز بكين الحريص على قوتها الناعمة، أصبحت الصين بلا شك لاعبا أكثر وضوحا في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا الوجود المرتفع يعكس وضع البلاد كقوة عظمى جديدة ذات وعي ذاتي أصبحت أكثر حزما وثقة على الساحة الدولية. وبينما تدخل الصين بشكل أكبر في التعاون العملي مع دول الشرق الأوسط على طول مسار الحزام والطريق وتعيد بكين النظر في سياستها الخارجية بما يتماشى مع وضعها كقوة عظمى جديدة، فمن المرجح أن يتعمق تدخل بكين في المنطقة في السنوات القادمة.

 

ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في وصف النشاط الاقتصادي والعسكري والثقافي والدبلوماسي المعزز في الصين في الشرق الأوسط. فالحياد الذي تمارسه بكين عند العمل مع الصراعات الإقليمية، وموقفها الواضح بعدم العثور على وكلاء في المنطقة، والتزامها بعدم الانحياز إلى أي طرف حتى في تحالف مكافحة الإرهاب -وكذلك إصرارها على التسويات السياسية لجميع النزاعات الإقليمية- أكد نية الصين في تجنب التشابكات العميقة في الشؤون الإقليمية. وبدلا من ذلك، فإن بكين أكثر تحمسا للترويج لنموذجها الخاص في الانخراط في الشرق الأوسط. ويبدو أن الصين تأمل في أنه من خلال تعزيز الازدهار الاقتصادي الإقليمي في إطار مبادرة الحزام والطريق والدعوة إلى التسويات السياسية للصراعات في المنطقة، فستحقق الاستقرار وتعزز قوتها ونفوذها كقوة عظمى حديثة العهد بأقل تكلفة ممكنة. ومع ذلك، لن تتحقق مبادرة الحزام والطريق بسلاسة دون تسوية ملائمة للصراعات العسكرية في المنطقة.

  

ومع استمرار الصين في الدفع بمبادرتها، فإن المصالح الأكثر ترابطا بين الصين والمنطقة -والتوقعات الدولية المتزايدة للصين بعد ذلك- ستدفع بكين على الأرجح لاتخاذ موقف أكثر حسما. سيتعين على بكين صياغة سياستها العربية وتحديد مصالحها في المنطقة بشكل أكثر وضوحا. قبل أن يحدث هذا، من المرجح أن تستمر بكين في السير على حبل مشدود كالتنين الحذر بين إشراك نفسها رمزيا في صراعات الشرق الأوسط وحماية مصالحها الاقتصادية الموسعة في المنطقة في الوقت نفسه. إن سياسة الصين الجديدة في الشرق الأوسط ما زالت في طور الظهور. ومع ذلك، فإن علاقات الصين الودية مع حكومات المنطقة، ونفوذها الدولي المتصاعد، وسياستها الخارجية الأكثر حزما، ستجتمع جميعها -إذا تمت إدارتها بشكل جيد- لتمكين الصين من لعب دور أكبر في المنطقة.

————————————————————————————-

ترجمة: سارة المصري

هذا التقرير مترجم عن Farnam Street ولا يعبر بالضرورة عن آراء ميدان.