شعار قسم ميدان

إيران وإسرائيل.. حرب على الأبواب أم دراما إعلامية؟

midan - إسرائيل
مقدمة الترجمة
في ظل الشد والجذب التي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل خارطة التحالفات في المنطقة، لا سيما بعد ما شهدته عدد من دول المنطقة من ثورات وانقلابات وانقسامات وحروب، تتنافس القوى الإقليمية ومن ورائها القوى العالمية على بسط نفوذها. إذ تسعى إيران إلى توسيع رقعة نفوذها في المنطقة عبر عدة وكلاء إقليميين، سواء كان في العراق أو لبنان أو سوريا أو اليمن، متعضدةً في ذلك بروسيا، سواء كان بتدخل مباشر كما في سوريا، أو بشكل غير مباشر في غيرها.
   
بينما تتمدد إسرائيل في بسط نفوذها من خلال توطيد علاقاتها وتطوير شبكة تحالفاتها مع جيرانها الإقليميين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ويقف من خلفها في ذلك بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأمريكية. فهل يستمر الصراع على الأرض في منطقة تزداد اشتعالًا يومًا بعد يوم؟ أم يتطور الصدام لمواجهات مباشرة بدأت مقدماتها مؤخرًا؟ وهل ترغب الأطراف المتناحرة في مواجهة عسكرية حقيقية؟ أم هي مجرد خطابات وتصريحات عنترية، بينما ما يجري في الأروقة السياسية أمر آخر؟ يحاول الكاتب تريتا بارسي، رئيس المعهد الوطني الإيراني الأمريكي، ومؤلف كتاب "خسارة العدو – أوباما، وإيران، وانتصار الدبلوماسية"، عبر هذا المقال المنشور على موقع Defense One إجابة هذه التساؤلات.

  

نص التقرير

يسعى أعداء إيران ومنافسوها على اختلافهم إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة، تعود إيران بموجبه إلى حالة العزلة، ويقوض مكاسبها الإقليمية. عندما تبحث الأطراف المتناحرة في الشرق الأوسط هذه الأيام عن قوة عظمى للضغط على الجهات الفاعلة في المنطقة من أجل تخفيض حدة التصعيد، فإنها لا تتجه إلى واشنطن؛ بل تولي وجهها شطر موسكو، ففي ظل تمتعها بتأثير واسع على إسرائيل وإيران وسوريا، تتبوأ روسيا مكانةً فريدةً لوقف ذلك الصراع الهائل الموشك على الانفجار -خاصةً بعدما شهد يوم واحد تسلل طائرة إيرانية بدون طيار إلى عمق إسرائيل، وإسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز إف-16، وقصف إسرائيلي هائل لبعض الأهداف في الداخل السوري.

    

  

وعلى الرغم من إمكانية تفاقم المواجهة العسكرية وخروجها عن نطاق السيطرة، إلا أن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن المعركة قد تنتقل إلى أروقة السياسة بدلًا من ذلك. ويرجع السبب في تزايد هذه التوترات إلى اختلال ميزان القوى الإقليمي. مدار السنوات الخمسة عشر الماضية، شهدت قدرة إسرائيل على المناورة تراجعًا متزايدًا في المنطقة، بينما قوت شوكة إيران بعد غزو واشنطن الكارثي للعراق، وما تبع ذلك من فقدان الولايات المتحدة الأمريكية لنفوذها ومصداقيتها، بالإضافة إلى استمرار بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا. ويأتي في مقدمة كل ذلك، الاتفاق النووي الذي منع طهران من امتلاك سلاح نووي، لكنه في الوقت نفسه، اعترف بأن طهران قوة إقليمية فعلية، وأنهى عقودًا طويلة من السياسة الأمريكية الرامية إلى فرض عزلة كاملة عليها. وعلى نفس المنوال، بدأت القوى العالمية الكبرى في أوروبا، إضافة إلى روسيا والصين في التعامل مع إيران على أنها فاعل إقليمي شرعي، عُدَّت مشاركته وتدخله والاتفاق معه أمورًا ضرورية من أجل الاستقرار.

 

وفقًا لوزارة الخارجية الإيرانية، وحزب الله، حليف طهران في لبنان، فإن أحداث العاشر من فبراير/شباط، تُعد إيذانًا "بانتهاء حقبة شن الغارات الإسرائيلية على سوريا" -كما أنها تُعد علامة على المزيد من تراجع قدرة إسرائيل على المناورة، والتي مكنتها من قصف أهداف داخل سوريا بحرية لسنوات عديدة دون تبعات تُذكر.

 

ولكن على الرغم من الخطاب الجاف، قليلون فقط من يرون أن هناك رغبة كبيرة في إسرائيل أو في إيران للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. بل على العكس من ذلك، تبدو إسرائيل أكثر ميلًا لنقل الصراع إلى ساحة مختلفة -الأمم المتحدة-، حيث ستسعى إلى إعادة فرض العزلة على إيران، وإعادة طهران إلى حالة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية من جديد، والعودة إلى ما قبل خمسة عشر عامًا من التغيير الذي طرأ على المنطقة.

 

تحول من هذا القبيل، ربما يتناسب مع الجهود التي بذلتها كل من المملكة العربية السعودية، وإدارة ترمب، والتي مهدتا خلال الأسابيع الماضية الطريق لإعادة فرض عقوبات أُممية جديدة على إيران. وآتت بعض جهودهما المذكورة ثمارها بالفعل.

  

عرض عسكري لقوات الحرس الثوري الإيراني
عرض عسكري لقوات الحرس الثوري الإيراني

   

ففي وقت مبكر من الشهر الماضي، اتهم تقرير مُسرب عن هيئة الأمم المتحدة، لم ينتبه إليه كثيرون، إيران بانتهاك حظر التسليح المفروض من الأمم المتحدة على اليمن. لا يتهم التقرير إيران بإمداد المتمردين الحوثيين في اليمن بالأسلحة، لكنه يشير إلى إخفاق طهران في منع حصول المتمردين على أسلحة إيرانية. ونتيجةً لذلك، خلصت الهيئة إلى أن إيران لم تمتثل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216.

 

كانت الخطة السعودية بعيدة المنال إلى حد ما، تقتضي استغلال هذا التقرير لفرض قرار جديد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتيح لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "تحديد وجود أي تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو عمل عدائي"، واتخاذ الإجراءات اللازمة "لإعادة إحلال السلم والأمن الدوليين".

 

من شأن قرار مثل هذا أن يُخضع إيران مرة أخرى إلى العقوبات، مع فرض حصار اقتصادي عليها، وإعاقة مساراتها السياسية للتأثير في المنطقة -أي حملة شعواء لكبح جماح إيران. ووفقًا لحسابات الرياض، من شأن ذلك أن يتصدى لتمدد طهران، ويرجح كفة التوازن الإقليمي لصالح المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

 

تتجاوز قيمة هذا القرار بالنسبة لإسرائيل والمملكة العربية السعودية -وكذلك بما يحمله من تهديد لإيران- الأثر الاقتصادي المحدود للعقوبات التي قد يفرضها بكثير. إذ أن فرض مجلس الأمن الدولي لقرار استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من شأنه أن يجعل التعامل مع البلاد يجري "بمنظور أمني"، على حد تعبير جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني. فأي شئ يتعلق بإيران -سواء كان تجارة عادية، أو حتى مشاركة في إحدى الهيئات السياسية- سوف يُنظر إليه من خلال عدسة أمنية، وذلك حسب ما صرح به ظريف خلال مقابلة أجريتها معه من أجل كتابي "خسارة العدو -أوباما، وإيران، وانتصار الدبلوماسية".

   

من خلال توقيع الاتفاق النووي جرد أوباما كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية من أداتهما الرئيسية في استمرار احتواء إيران وكبحها
من خلال توقيع الاتفاق النووي جرد أوباما كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية من أداتهما الرئيسية في استمرار احتواء إيران وكبحها
   

في الحالة الإيرانية، يُنظر إليها على أنها دولة تمتلك برنامجًا نوويًا خطيرًا قبل أن يُنظر إليها كدولة أو أمة. إذ تُصنف الدولة وأنشطتها رسميًا في الوقت الراهن بأنها تمثل تهديدًا للسلم والاستقرار الدوليين. وعلى الرغم من أن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران لم تكن مؤثرة في حد ذاتها، لكنها شكلت عاملًا حيويًا في التعامل مع إيران من منظور أمني. يقول ظريف "كانت العقوبات نتيجة لهذا التوجه الأمني في التعامل، وتكريسًا له". وأضاف "لقد أظهرت أن هذه الدولة -إيران- تمثل تهديدًا أمنيًا بسبب العقوبات".

 

كانت معارضة إسرائيل والمملكة العربية السعودية للاتفاق النووي نابعة بشكل جزئي من رغبتهما في استمرار عزلة إيران بشكل دائم. ولكن من خلال توقيع الاتفاق النووي، وتحييد هذا التهديد، جرد أوباما كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية من أداتهما الرئيسية في استمرار احتواء إيران وكبحها.

 

في الوقت الراهن، وسواء من خلال تقرير هيئة الأمم المتحدة بخصوص اليمن، أو مزاعم انتهاك طائرة إيرانية بدون طيار للمجال الجوي الإسرائيلي، يأمل التحالف الإسرائيلي-السعودي في الوصول لقرار جديد من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، يضع إيران من جديد تحت وطأة العقوبات، ويمهد الطريق إلى احتواء أمريكي شامل لإيران.

 

وعلى الرغم من الخطابات المتشددة والتصريحات الحادة، فإن المواجهة الحقيقية ربما تنتقل قريبًا من الحدود الإسرائيلية السورية إلى نيويورك. إذ لا يعني ذلك انخفاض التكلفة الإسرائيلية فحسب، بل يمكن القول إن تأثيرات ذلك سوف تكون أكثر وقعًا أيضًا. وبينما يُكسب هجوم عسكري قوي على المواقع الإيرانية المزعومة في سوريا كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية بضع أسابيع فحسب، يمكن أن يمنحهما قرار من الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع نصرًا يستمر عشر سنوات.

 

ولكن، بما أن بوتين قد استطاع أن يمنع حملة قصف إسرائيلي على سوريا، فإنه يمتلك نفس أوراق اللعب الرابحة في نيويورك: حق النقض في مجلس الأمن. ربما يلبي دونالد ترمب ونيكي هيلي طموحات كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ولكن بدون روسيا، فإن حملتهما الرامية إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي ضد إيران، سوف تواجه صعوبة كبيرة.

——————————————————————————————— 

   

مترجم عن (ديفنس ون)