شعار قسم ميدان

الصين المستفيد الأكبر من الأزمة النووية الكورية

midan - الصين وكوريا
مقدّمة المترجم

إن علاقة الصين وكوريا الشمالية على الرغم من الأواصر المشتركة بينهما هي في الحقيقة علاقة معقّدة، وفي حين أن مصالح الدولتين الجارتين تتباعد وتتقارب، فإن الصين تسارع حاليا في استغلال الأزمة النووية الكورية للعب على جبهتين: انتزاع تنازلات من واشنطن في مقابل المساعدة على الوصول إلى حل سلمي، وهو مسار تعزز بزيارة كيم جونغ أون الى بيجينغ مؤخرا، وفي الوقت نفسه، تضع الخطط العسكرية لاحتلال كوريا الشمالية في حالة الحرب لمنع واشنطن من تحقيق أي نصر هناك.

  

نص التقرير

في أواخر شهر مارس/آذار، سافر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي لم يغادر بلده قط منذ توليه السلطة في عام 2011، إلى بكين للاجتماع بالرئيس الصيني شي جين بينغ للمرة الأولى. جاء هذا اللقاء بعد عقدين من تدهور العلاقات بين كوريا الشمالية والصين، التي بلغت أسوأ درجاتها في عهد شي حيث لم تجر سوى ستة لقاءات ثنائية على مستوى عالٍ على مدى السنوات الست الماضية، مقارنة بـ 54 خلال فترة رئاسة سلف شي، هو جين تاو.

 

وكما أفيد سابقا في فبراير/شباط في مجلة فورين أفّيرز، فإن بكين أصبحت قلقة من استفزازات كيم، ولم تعد متشبّثة بحماية كوريا الشمالية. كان من اللافت إذن أن شي دعاه إلى الصين. هل حدث تحسن مفاجئ في العلاقات الدبلوماسية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني هذا الانقلاب الظاهر في الموقف الصيني؟

   undefined

   

على السطح، يبدو شي مدفوعا بالرغبة في تحسين العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية. خلال اجتماع شي-كيم، صوّرت وسائل الإعلام الصينية البلدين كرفاق إيديولوجيين، مؤكدين على اهتمامهما المشترك بإيجاد حل سلمي للتحديات الأمنية في شبه الجزيرة الكورية، ونشرت صور الزعيمين وهما يتعانقان. لكن على الرغم من أن القمة تشير إلى اهتمام بكين ببناء علاقات مثمرة مع بيونغ يانغ، فإن قرار شي بالاجتماع مع كيم لا يمثل تحولا إستراتيجيا بقدر ما قد توحي به هذه المظاهر. فالصين غير متشبثة ببقاء نظام كوريا الشمالية، ولا يزال "التحالف" بين الدولتين اسميا فقط. بالنسبة لبكين، لم يكن الهدف الأساسي للقمّة هو إصلاح العلاقة مع بيونغ يانغ، بل التأثير في اتجاه المحادثات القادمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وضمان أن أي مخارج سوف تخدم المصالح الصينية قبل مصالح الولايات المتحدة.

  

بيئة جديدة وإستراتيجية جديدة

على مدى السنوات القليلة الماضية، تدهورت العلاقات بين بكين وبيونغ يانغ إلى حد بدأ فيه الإستراتيجيون الصينيون وحتى الضباط العسكريون يقترحون ألا تقوم الصين بالتدخل الى جانب كوريا الشمالية في حالة حدوث حرب في شبه الجزيرة الكورية. كانت هناك أسباب كثيرة دفعت الصين إلى الشعور بالضيق من كوريا الشمالية، فلقد تجاهل كيم بشكل صارخ مطالبها بالامتناع عن القيام بأنشطة استفزازية، مجريا 86 تجربة صاروخية وأربع تجارب نووية منذ توليه السلطة. وقد أظهر كيم تجاهلا تاما لمصالح الصين، فأجرى جميع تجاربه النووية في موقع بونغي-ري على بعد 100 ميل من الحدود الصينية، مما تسبب في ذعر كبير في بكين بشأن الإشعاعات النووية. ليس هذا فحسب، بل إن كيم تعمّد القيام بهذه التجارب خلال لحظات ذات أهمية بالنسبة لبكين، مثلما حدث خلال قمة شي في مايو/أيار عام 2017 حول مشروع الحزام الواحد والطريق الواحد في بكين، وبعد بضعة أشهر، خلال قمة البريكس في شيامن. ربما شعر شي بالإهانة الشخصية من خلال هذه الاختبارات، حيث أصبح من الواضح للعالم أن اختيار توقيت التجارب النووية لكوريا الشمالية لم يكن من قبيل المصادفة.

 

في هذه الأثناء، أدت كل من الزيادات في الضغط العسكري والاقتصادي الأميركي ضد كوريا الشمالية في ظل إدارة ترامب والتبادلات الخطابية الساخنة بين بيونغ يانغ وواشنطن إلى فقدان الصين الأمل في إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي. هذا، إلى جانب علاقتها المتدهورة مع بيونغ يانغ، شجع الصين على البدء في الاستعداد بجدية أكبر للطوارئ العسكرية، بما في ذلك من خلال إجراء التدريبات العسكرية ذات الصلة وإجراء تعديلات على انتشار وجهوزية قواتها.

   

  

لكنّ عددا من التطورات الرئيسية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية قد تشير إلى احتمال ظهور فرصة جديدة لإعادة تشكيل الوضع في شبه الجزيرة من خلال الدبلوماسية. في فبراير/شباط، أرسلت كوريا الشمالية وفدا إلى دورة بيونغ تشانغ للألعاب الأولمبية، وفتحت طريقا لإجراء محادثات مع كوريا الجنوبية وخفض التوترات في العلاقات بين الكوريتين. في شهر مارس/آذار، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن استعداده لعقد قمة مع كيم بحلول نهاية مايو/أيار، مما قد يجعله أول رئيس أميركي يلتقي وجها لوجه مع زعيم لكوريا الشمالية. وبمجرد أن أصبحت الدبلوماسية خيارا مرة أخرى كان من المنطقي أن يتواصل شي مع كيم. فهذا لن يسمح للصين بممارسة نفوذها في المحادثات القادمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فحسب، بل من شأنه أيضا أن يعزز من صورة الصين كقوة إقليمية وكوسيط، مما سيعزز من مكانة شي في الداخل ويكسب الصين مقعدا على طاولة المفاوضات. وبالفعل، قام شي بالتواصل مع ترامب لإحاطته بمحادثاته مع كيم، مما يشير إلى أن شي يستعد بالفعل لتولي دور الوسيط.

 

ما الهدف الرئيسي للصين؟

على الرغم من أن الصين ربما حوّلت إستراتيجيتها نحو إعطاء الأولوية للدبلوماسية على حساب الحلول العسكرية، فإن أهدافها لم تتغير. فسياستها في كوريا الشمالية تتمحور بالدرجة الأولى حول الرغبة في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وزيادة النفوذ الصيني في شبه الجزيرة الكورية. في زمن الحرب، سيشمل هذا التدخل عسكريا بشكل حاسم في كوريا الشمالية من أجل السيطرة على الأراضي وأغلبية الأسلحة النووية الكورية الشمالية. فهذا من شأنه أن يضع بكين في موقف قوي لضمان أن أي اتفاق للسلام، الذي سيشمل في نهاية المطاف إعادة توحيد كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، سوف يلبي مطالبها. يمكن أن تشمل هذه الصفقة ليس فقط انسحاب القوات الأميركية، بل أيضا إلغاء معاهدة الدفاع الأميركية الجنوبية الكورية.

 

أما بالنسبة للقمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، فإن الهدف الرسمي للصين هو إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بشكل كامل ولا رجعة فيه. قد يبدو ذلك واعدا، لكن بكين ستطلب على الأرجح من واشنطن عددا من التنازلات في المقابل. يمكن لبكين أن تطالب الولايات المتحدة بتهدئة المخاوف الأمنية لكوريا الشمالية عن طريق وقف المناورات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والحد من الوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية وتطبيع العلاقات مع بيونغ يانغ. هذا فيما تشدد وسائل الإعلام الصينية أن بكين ستظل ثابتة في حماية مصالحها الخاصة، وهذا يعني الأخذ في الاعتبار أن المفهوم الصيني لنزع السلاح النووي يتطابق بشكل أكبر مع مفهوم كوريا الشمالية: وهو هدف طويل الأجل سيتحقق تدريجيا وبشكل مشروط مع تخفيض الولايات المتحدة للتهديد الذي تشكله لكوريا الشمالية (وبالتالي، الصين).

   

الرئيس الكوري الشمالي أثناء تفقده أحد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى (رويترز)
الرئيس الكوري الشمالي أثناء تفقده أحد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى (رويترز)

   

بعبارة أخرى، سيتعيّن على الولايات المتحدة تقديم تنازلات كبيرة لجعل بيونغ يانغ تنزع سلاحها النووي، وهذا قد لا يقبله دونالد ترامب. إذا رفضت الولايات المتحدة تقديم هذه التنازلات، فلا يزال من مصلحة الصين إبقاء أي مفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، أو على الأقل حتى تأتي إدارة أقل تشددا إلى البيت الأبيض.

 

لكن يمكن استخدام أي جمود أو انهيار في المحادثات كذريعة من قبل واشنطن لشن ضربات وقائية. وحتى إذا أسفرت المحادثات عن اتفاق، فإن خرق الولايات المتحدة أو كوريا الشمالية لتلك الاتفاقية سيضعف موقف المعتدلين في واشنطن الذين يؤيدون سياسة الدبلوماسية والردع. وقد يؤدي هذا إلى دعوات متجددة للقيام بضربات عسكرية. إذن، لإبقاء المحادثات على قيد الحياة، حتى بشكل غير رسمي، قد تسعى بكين إلى منع كيم من إجراء تجارب نووية في الوقت الذي تقنع فيه الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات وتقديم حوافز اقتصادية لإبقاء كيم على الطاولة.

 

ربما أهم خلاصة من قمة شي وكيم هي أن الصين تتطلع لحماية مصالحها الخاصة، وليس مصالح كوريا الشمالية، سواء كانت في ساحة المعركة المحتملة أو على طاولة المفاوضات. إذا ما أخذت بكين دور الوسيط خلال المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فستكون في وضع أفضل لإقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن نفوذها في شبه الجزيرة الكورية. وسيكون هذا هو الثمن الذي يتعيّن على واشنطن دفعه للحصول على مساعدة صينية في تحقيق اختراق دبلوماسي مع كوريا الشمالية. وكما قيل من قبل، فإن خطر رفض المساعدة الصينية هو أنه إذا انهارت الدبلوماسية فقد تؤدي التوترات إلى حرب. قد تأتي الدبلوماسية بثمن، لكنها أفضل بأشواط من ذاك البديل.

———————————————-

    

مترجم عن (فورين أفيرز)