شعار قسم ميدان

حرب بين إيران وإسرائيل.. أي مستقبل ينتظر الشرق الأوسط؟

midan - روحاني
عندما أمطرت إسرائيل مواقع إيرانية عسكرية متعددة في سوريا بالصواريخ خلال الليل، كانت هذه واحدة من أكبر العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا منذ عقود. وبررت إسرائيل القصف قائلة إن إيران أيضا ارتكبت أفعالا لا داعي لها عندما أطلقت قواتها الموجودة في سوريا نحو 20 صاروخا على مواقع إسرائيلية في مرتفعات الجولان.

        

يُعد ذلك تصعيدا دراماتيكيا للأحداث، لكنه أيضا يتناسب مع نمط مستمر طويل شكلته العلاقة المتوترة بين إسرائيل وإيران. انخرط الخصمان في صراع ثانويّ يدور معظمه خارج حدود الدولتين، مستغلين الاضطراب الحاصل في المنطقة نتيجة الصراع السوري لمواجهة بعضهم البعض. وإذا ما بدا أنه تم احتواء هذه المواجهة -وهي واحدة من الحروب العديدة التي تدور الآن في سوريا بين مقاتلين شتى- فإنها تظهر إشارات على آثار وانعكاسات ستتجاوز ساحة المعركة تلك. وهذا يعني أنه حتى لو تراءى أن الحرب الأهلية السورية نفسها تُوشك على الانتهاء، باستعادة الأسد سيطرته على المناطق الرئيسية، فإنه تتفاقم أزمة إقليمية أكبر وأخطر من الصراع السوري.

    

وصرح المقدم جوناثان كونريكس، المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي، على موقع تويتر: "استهدف جيش الدفاع الإسرائيلي العشرات من الأهداف العسكرية الإيرانية في سوريا ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل"، مشيرا إلى أن "فيلق القدس هو من يقف وراء الهجوم ومن أمر بتنفيذه… الجيش الإسرائيلي لا يزال مستعدا لكافة السيناريوهات، لكنه لا يسعى إلى تصعيد الموقف".

  

undefined

       

ينشط فيلق القدس -وهو وحدة قوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني والمسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإقليمية- ينشط في سوريا، حيث إنه واحد من القوى المحاربة المتحالفة مع نظام الأسد، وربما يكون اختياره لهضبة الجولان كهدف للهجوم ليس من قبيل المصادفة. استولت إسرائيل على هضبة الجولان السورية خلال حرب الأيام الستة أو حرب يونيو/حزيران عام 1967، وحتى عام 2010، تخضع الأراضي لمناقشات حول تقديمها إلى سوريا مقابل معاهدة سلام.  

  

لكن تلك المفاوضات سرعان ما انحرفت عن مسارها بعد ثورات الربيع العربي ضد نظام الأسد والتي تحولت إلى حرب أهلية سورية. سارعت إيران، وهي من مؤيدي الأسد منذ فترة طويلة، إلى الانضمام إلى جانبه في هذا الصراع، ومنذ ذلك الحين رسخت القوات التابعة لها وجودها في البلاد. يخشى المسؤولون الإسرائيليون من أن وجود إيران داخل سوريا يمنحها جسرا أرضيا يمكّنها أو يمكّن وكلاءها من تنفيذ هجمات على إسرائيل بسهولة، كما فعلوا الآن.

      

لكن الضرر الذي لحق بإسرائيل في هذه الحالة كان ضئيلا للغاية، صرّح الجيش الإسرائيلي أنه اعترض أربعة من الصواريخ العشرين التي تم إسقاطها على هضبة الجولان، وأن الستة عشر صاروخا الآخرين فشلوا في تحقيق أهدافهم، ولم يتم الإبلاغ عن وقوع أي إصابات أو أضرار. وقالت إسرائيل إن طائراتها قصفت وألحقت أضرارا بسبعين هدفا إيرانيا داخل سوريا، بما في ذلك منشآت تابعة لفيلق القدس. وقال الجيش الإسرائيلي إنه تم ضرب أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش السوري أيضا بعد أن أطلقوا النار على الطائرات الإسرائيلية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مكتب إعلامي يقع في المملكة المتحدة ويتتبع مثل هذه الهجمات والخسائر داخل سوريا، قال إن ثلاثة وعشرين شخصا قتلوا خلال الضربات الإسرائيلية، وقالت إن الهجوم الصاروخي الإيراني جاء ردا على القصف الإسرائيلي لمدينة البعث في محافظة القنيطرة.

  

    

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان: "يجب أن يتذكروا أنه إذا ما أمطرت في إسرائيل، فسوف تتدفق الفيضانات عندهم، آمل أن نكون قد انتهينا من هذا الفصل، وأن الرسالة وصلت إلى الجميع". ومضيفا أن كل البنى التحتية الإيرانية في سوريا قد تضررت. هذا غير محتمل إلى حد كبير بالنسبة إلى إسرائيل، حيث إن إيران، التي دأب نظامها على المطالبة بتدمير إسرائيل، أصبح لديها الآن قواعد داخل سوريا. كما تشارك الجمهورية الإسلامية أيضا في جميع الصراعات الإقليمية الرئيسية الأخرى: في العراق، عن طريق دعم حلفائها الشيعة بما في ذلك الميليشيات، وفي اليمن، حيث تشارك في حرب بالوكالة شرسة ضد المملكة العربية السعودية، وفي لبنان أيضا، حيث تدعم وتقف في ظهر حزب الله.

  

كانت إيران حتى وقت قريب نسبيا تُحجم عن التحركات العدوانية الصريحة ضد المصالح الإسرائيلية أو الغربية، ولكنها أصبحت الآن أكثر جرأة على هذا الصعيد، بما في ذلك إرسال طائرة بدون طيار مزودة بالصواريخ إلى المجال الجوي الإسرائيلي في أبريل/نيسان. وفي اليوم نفسه الذي انسحب فيه ترمب من الصفقة الإيرانية، وضعت إسرائيل قواتها في حالة تأهب قصوى بعد أن اكتشفت ما أسمته نشاطا غير نظامي من قبل القوات الإيرانية داخل سوريا. 

   

وحثت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق -والتي قالت إنها ستلتزم به- الجميع على الهدوء بعد الضربات الإسرائيلية. قالت الولايات المتحدة إنها تدعم "حق إسرائيل في التحرك للدفاع عن النفس". تعتبر روسيا، التي هي الأقوى في المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة، طرفا أيضا في الاتفاق النووي، ودعت إلى "ضبط النفس من جميع الأطراف". تمتلك روسيا علاقات وثيقة مع كل من إسرائيل وإيران وترى تدخلها في سوريا نجاحا كبيرا في السياسة الخارجية، وبالتأكيد لا تريد أن تزيد التوترات بين حليفيها، التوترات التي من المحتمل أن تجذب أطرافا إقليمية وعالمية أخرى. ومع ذلك، فإن هذا هو ما يحدث بالفعل وبشكل سريع في سوريا.

    

  

اتهمت روسيا ونظام الأسد إسرائيل بضرب مطار عسكري بالقرب من حمص في الشهر الماضي، حيث من المعروف أنها منطقة لعمليات إيران، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا. وبحسب التقارير قُتل ثلاثة من أعضاء الحرس الثوري الإيراني في ذلك الهجوم. نفذت إسرائيل العشرات من الغارات داخل سوريا منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011، معظمها حسب قولها، كانت لحماية نفسها وضرب القوات الإيرانية ووكلائها عندما يشكلون تهديدا لها. وعلى سبيل المثال، تقول إسرائيل إن قاعدة "T4″ -وهي القاعدة القريبة من حمص التي قامت بقصفها- تستخدمها إيران لنقل الأسلحة إلى حزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية التي خاضت إسرائيل صراعا معها دام خمسة عشر عاما في جنوب لبنان. كما كتبتُ في ذلك الوقت:

وقد قال مسؤولون إسرائيليون في وقت سابق إن أحد أهدافهم في سوريا هو إبقاء إيران تحت المراقبة وضمان بقائها بعيدة عن الحدود مع إسرائيل، تخشى إسرائيل -مع بعض المبررات- أن تستخدم إيران القرب من الحدود وتتواصل مع المقاتلين الشيعة لمهاجمة إسرائيل. ولهذه الغاية، فإن إسرائيل -التي تعتبر النظام الإيراني الثيوقراطي أو الديني تهديدا دائما لوجودها- ضربت أهدافا داخل سوريا عشرات المرات منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011. كما شملت أكبر تلك الهجمات في فبراير/شباط قاعدة "T4″. 

   

في ذلك الوقت، دخلت طائرة إيرانية بدون طيار كانت أُطلقت من القاعدة إلى الأراضي الإسرائيلية. ردا على ذلك، ضربت إسرائيل أهدافا إيرانية داخل سوريا. وأسقطت طائرة إسرائيلية من طراز "F-16″ بنيران المدفعية السورية المضادة للطائرات. قفز الطياران الإسرائيليان من الطائرة وهبطا بسلام في مناطق إسرائيلية. أرادت إسرائيل تقديم رد أكبر، لكن تشير التقارير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدخل.

  

جاءت ضربة يوم الخميس داخل سوريا بإقرار نادر من المسؤولين الإسرائيليين بأنها حدثت. كانت حكومة إسرائيل من بين أشد المنتقدين للاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه الرئيس ترمب هذا الأسبوع. ولكن حتى الآن فإن هذه الخطوة خلقت مزيدا من الريبة في منطقة غير مستقرة، وقد تجد إسرائيل نفسها الآن في مواجهة العواقب المباشرة والفورية.

   

————-

الرابط الأصلي