شعار قسم ميدان

تسريبات ويكيليكس تكشف هوس "بن زايد" بسياسات قطر

بن زايد - ميدان
تظهر البرقيات أن الإمارات "حذرت" الولايات المتحدة من قطر قبل وقت طويل من بدء الأزمة، ولم تكن مدفوعة بمخاوف أمنية فحسب. فمع بدء المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر حملتهم لعزل قطر في 5 يونيو/ حزيران 2017، متهمين إياها بمساعدة "الإرهاب" والتقارب الشديد مع إيران، فإن الرسائل التي استخدمها الرباعي العربي عزفت على وتر مألوف.

 

وغالباً ما يشار إلى الحصار المفروض على قطر، الذي يقترب الآن من عام كامل، على أن السعودية تتزعمه، لكن اللغة التي استخدمها "الرباعي العربي" كانت متسقة مع تصريحات خاصة نُسِبت إلى وليّ عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد (المعروف أيضًا بـ MBZ)، كما هو موضح في البرقيات الدبلوماسية التي نشرتها ويكيليكس في 2010 و 2011.

 

وتشير معاينة هذه المجموعة – التي اشتملت على اتصالات سرية من السفارة الأمريكية في أبو ظبي بين عامي 2004 و 2010، والتي تستعرض بإيجاز عشرات الاجتماعات التي أُجريت مع كبار المسؤولين الإماراتيين – إلى أن الإمارات العربية المتحدة لعبت دور القوة الدافعة وراء حملة القمع ضد الإخوان المسلمين، وأن الإمارات أصدرت سلسلة من التحذيرات الصارخة للمسؤولين الأمريكيين بشأن قطر والجزيرة قبل وقت طويل من بدء الحصار.

    

   

تتضمن تلك البرقيات اقتباسات مباشرة من محمد بن زايد حول مواضيع لم يناقشها علنًا، مما يوفر سياقًا إضافيًا للديناميكيات السياسية المتغيرة في الخليج. تشير اللغة المنسوبة إليه في البرقيات إلى أن دوافع الإمارات العربية المتحدة للحصار ليست مدفوعة بشكل حصري بمخاوف أمنية تتعلق بدولة قطر، ولكن أيضًا برغبة في إخماد المعارضة في الداخل.

حتى الآن، لم يقدم محمد بن زايد بيانًا علنيًا واحدًا حول أزمة الخليج الحالية، تاركًا لشقيقه وزير الخارجية عبد الله بن زايد وغيره من الوكلاء مهمة التحدث باسم الحكومة.

   

"إسبرطة الصغيرة"

بعد أن أصيب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان بسكتة دماغية في عام 2014، أصبح محمد بن زايد هو الحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة. منذ ذلك الحين، اتبعت حكومته سياسة خارجية أكثر حزمًا لتصبح واحدة من أكبر خمس دول مستوردة للأسلحة في العالم. وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن الدولة الخليجية الصغيرة هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية، وهذا أحد الأسباب التي دفعت بوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى تسميتها بـ "اسبرطة الصغيرة".

    

تعداد مواطني الإمارات العربية المتحدة يبلغ أقل من مليون مواطن، لكنها أصبحت القوة العسكرية الإقليمية الجديدة، حيث أرسلت قوات للقتال في أفغانستان واليمن، ويُزعم أنها نفذت عمليات قصف بالقنابل في ليبيا، وبنت قواعد عسكرية في أرض الصومال وإريتريا، واحتلت في الآونة الأخيرة جزيرة سقطرى اليمنية التي تقع قبالة القرن الإفريقي.

 

تحت قيادة محمد بن زايد، أصبحت الإمارات حليفًا رئيسًا للولايات المتحدة، وسيكون دعمها محوريًا في أي مواجهة عسكرية مع إيران. ووفقًا لما ذُكر في برقية من فبراير/ شباط 2009، وعد ولي العهد المسؤولين الأمريكيين قائلًا بأنه "عندما يطلق الإيرانيون صواريخهم، فسوف نلاحقهم ونقتلهم".

          

undefined     

عدو مميت

في الوقت الذي كانت فيه إيران من أهم القضايا الأمنية بالنسبة لجبهة محمد بن زايد قبل فترة طويلة من الربيع العربي، كان ولي العهد وإخوته متربصين أيضًا بعدو آخر ألا وهو، جماعة الإخوان المسلمين، كما تُظهر البرقيات المسربة. تعتقد جماعة الإخوان المسلمين، واحدة من أقدم وأهم الحركات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، أن المبادئ الإسلامية يجب أن تنظم جوانب الحياة العامة والشخصية.

  

وفقًا لكورتني فرير، مؤلفة كتاب  "تأثير جماعة الإخوان المسلمين في دول الخليج"، غالبًا ما كانت دعواتهم للنشاط السياسي والشرعية الانتخابية تشكل تهديدًا للأنظمة الملكية وشبه الديمقراطية في المنطقة، خصوصًا أنهم كانوا يصلون إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع . وقالت فرير لقناة الجزيرة، "تظهر البرقيات إلى أي مدى ساوى محمد بن زايد بين الجماعات الإسلامية المتطرفة والعنيفة وبين الحركات السياسية المعتدلة مثل الإخوان المسلمين".

 

في برقية مسربة من فبراير/ شباط 2009، قال دبلوماسيون أمريكيون إن محمد بن زايد رأى "التأثير الإيراني في جماعة الإخوان بوضوح شديد كطريقة لتحريك الشعوب العربية وتعجيز القادة التقليديين للمجتمع العربي". ونقل عنه قوله في أحد البرقيات من عام 2007: "الحمد لله على حسني مبارك"، وتوقع أيضًا أنه إذا أجريت انتخابات في مصر، فسوف تفوز جماعة الإخوان.

    

وفقًا لما ذُكر في برقيات متعددة مسربة، قد أخبر محمد بن زايد فرانسيس تاونسند، مستشارة الأمن الداخلي الأمريكي في عهد جورج دبليو بوش، أن الأمر نفسه سيحدث في دبي إذا جرت انتخابات – وهو أحد الأسباب التي أدت إلى رفضه دعوات الولايات المتحدة لإجراء انتخابات، قائلًا إنها ستجرى نحو عام 2030، للتركيز على الجيل القادم.

      

فرانسيس تاونسند، مستشارة الأمن الداخلي الأمريكي في عهد جورج دبليو بوش (مواقع التواصل الاجتماعي)
فرانسيس تاونسند، مستشارة الأمن الداخلي الأمريكي في عهد جورج دبليو بوش (مواقع التواصل الاجتماعي)

  

بدأت الإمارات العربية المتحدة في استهداف المتعاطفين مع الإخوان المسلمين في أوائل التسعينيات بعد أن تولى محمد بن زايد مسئولية الأجهزة الأمنية، حين عُيّن رئيسًا للأركان في عام 1993. زادت التوترات في السنوات اللاحقة ونقل الأعضاء المشتبه بهم من قطاع التعليم إلى تأدية أدوار أخرى في القطاع العام، واستبعدوا من المناصب العامة وأغلقت جمعياتهم الخيرية.

  

"سياسات مكافحة الإرهاب"

في الأعوام التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة التي تورط فيها مواطنان إماراتيان و15 سعوديًا، عبر محمد بن زايد وإخوته حمدان وهزاع عن مخاوفهم من تأثير "المتشددين" على المجتمع الإماراتي. وقاموا بزيادة دور الأجهزة الأمنية بشكل كبير في كل أنحاء البلاد.

  

توصلت لجنة 11/9 أيضًا إلى أن الأموال التي استخدمت لتمويل الهجوم مرت عبر البنوك والتحويلات البرقية الإماراتية. سرعان ما شنت بعدها الإمارات حملة ضد غسيل الأموال وجمع التبرعات غير المشروعة وزادت من تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة وقمعت من تعتقد أنهم من "المتشددين"

  

سحق المعارضة في الداخل

توسعت شبكة أهدافهم لاحقًا لتشمل الحركات الاجتماعية السلمية التي استهدفتها الحكومة في الماضي، خصوصًا حركة الإصلاح، والتي اعتبرت بمثابة تهديد سياسي ووجودي بسبب ارتباطها الأيديولوجي بالإخوان المسلمين.

  

خلال فترة حكم إدارة جورج بوش تحدث محمد بن زايد كثيرًا عن النفوذ المفترض للإخوان المسلمين داخل النظام التعليمي والقوات المسلحة بحسب ما تظهره البرقيات.  وفقًا لبرقية أرسلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، وصف المسؤولون الأمريكيون كيف أخبرهم ولي العهد أنه وجد أعضاءًا في الإخوان المسلمين داخل الجيش وأخضعهم لنوع من عمليات غسيل المخ العكسية. وفي برقية أخرى أرسلت في أبريل/ نيسان 2006، قال محمد بن زايد أن التحدي هو إيجاد طريقة "للإطاحة بهم (الإخوان المسلمون) بحيث لا يستطيعون العودة بعدها أبدًا).

      

undefined

  

بحسب برقية أرسلت في يوليو/ تموز 2005 أثناء مناقشة حاجة المملكة العربية السعودية لمواجهة مشكلة التطرف قال محمد بن زايد للمسؤولين الأمريكيين مازحًا بشأن عمليات التنظيف الداخلية ضد "الإخوان المسلمين" في بلده قائلًا "قد استخدمنا مكنسة كهربائية". علق المسؤولون الأمريكيون على الأقل في برقيتين في 2004 على استخدام محمد بن زايد التلقائي لاسم التنظيم لوصف جميع الجماعات المتطرفة في المنطقة.

 

أصبحت وجهات النظر المختلفة تجاه دور الإخوان المسلمين نقطة خلاف رئيسة في المنطقة وسببًا في الفوضى التي تعمها وفقًا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وهي أزمة كبيرة بما يكفي لتوضع في مصاف الانقسامات التقليدية في المنطقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو الولايات المتحدة وروسيا أو السعودية وإيران.

  

ملاحقة قطر

وفقًا للبرقيات المسربة، لام محمد بن زايد قناة الجزيرة القطرية لتأثيرها السلبي على الرأي العام العربي وذلك بعد دعمه للغزو الأمريكي للعراق. وقد شجع أيضًا الولايات المتحدة على قصف مقرات الشبكة في الدوحة، على الرغم من أن هذا ربما كان مثالًا على سخريته اللاذعة.

 

على أية حال، نُقل عنه قوله إن الجزيرة تؤكد المشكلة التي يواجهها في بعض الأحيان مع الإعلام الحر. وبحلول عام 2009، زاد ارتياب وقلق محمد بن زايد من الجزيرة وقطر، إِذْ ألقى كلمات قوية أمام ريتشارد أولسن، الذي أصبح فيما بعد سفير الولايات المتحدة في الإمارات العربية المتحدة، وأعضاء من وفده. وطلب منهم التوقف عن تدوين الملاحظات والاحتفاظ بها بشكل غير رسمي. ووفقًا لما ذُكر في برقية تعود إلى شهر فبراير / شباط 2009، اعتقد محمد بن زايد أن قطر خانت مجلس التعاون الخليجي من خلال القيام بمبادرات دبلوماسية لإيران، وقال إن قطر كانت "جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين"، وهما من الاتهامات الرئيسية التي وُجِهت إلى الدوحة في النزاع الخليجي الجاري.

         

undefined

    

وفي نفس البرقية، يُقال إن محمد بن زايد ضمّ حماس وحزب الله إلى جانب أسامة بن لادن على أنهم "يشكلون تهديدات عابرة للحدود الوطنية كحركات وطنية". ووفقًا للبرقيات، كشف محمد بن زايد أيضًا عن أن مشاكله مع الجزيرة كانت شخصية، قائلًا إنه اعتقد أن الشبكة كان لها تأثيرًا سلبيًا على عائلته. وقد روى قصة ابنه فيما لا يقل عن ثلاثة اجتماعات خلال مناقشة تطورات الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان.

     

وجاء في برقية تعود إلى إبريل / نيسان 2004 "قال إن ابنه ذكي – "طالب متفوق" – إلا إنه أعرب مؤخرًا عن بعض الآراء المعادية للغرب، والتي يعتقد محمد بن زايد أنها كانت نتيجة مشاهدته لقناة الجزيرة كثيرًا". ونقل عنه قوله: "إذا كان بإمكان [الجزيرة] أن تؤثر على حفيد قائد معتدل مثل الشيخ زايد بهذه الطريقة، لك أن تتخيل ما يمكن أن تفعله بشخص غير متعلم أو ينتمي إلى الطبقات الأقل". أصدرت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين مجموعة من المطالب في 22 يونيو / حزيران 2017، ومن بينها إغلاق قناة الجزيرة، وقطع العلاقات المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين والحد من علاقاتها مع إيران كشرط لرفع الحصار.

     

رفضت قطر جميع المطالب، واستنكرتها باعتبارها محاولات لانتهاك سيادتها. كما رفضت مرارًا وتكرارًا الزعم القائل بأنها تدعم "الإرهاب" مؤكدة على أنه "لا أساس له" من الصحة. وحذرت الكويت – التي عملت كوسيط في الصراع – الشهر الماضي من أن الأزمة تهدد بعرقلة عمل العديد من المبادرات التي يقوم بها مجلس التعاون الخليجي.

   

كما جرى تأجيل قمة دول الخليج المخطط لإقامتها في الولايات المتحدة والتي كان من المفترض أن تنعقد في بداية شهر إبريل / نيسان إلى سبتمبر / أيلول. ولكن مع اقتراب الذكرى السنوية للحصار، لا يبدو أن هناك نهاية تلوح في الأفق.

(الرابط الأصلي)