شعار قسم ميدان

بعد عقوبات ترامب.. هل تقف إيران على حافة الانهيار؟

ميدان - إيران
على أعتاب بدء سريان العقوبات الأمريكية الجديدة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، تهب عاصفة عنيفة على إيران اليوم مع انهيار العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، وتفشي الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، مما دفع أصحاب المتاجر في طهران إلى الاحتجاج في الشوارع في ما عدّ من أكبر المظاهرات المناهضة للحكومة في العاصمة الإيرانية منذ فترة طويلة. 
  
في يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، أغلقت المحلّات في البازار الكبير بطهران أبوابها، واحتج التجار خارج البرلمان منددين بانهيار قيمة الريال الإيراني، الذي فقد حوالي نصف قيمته في الأشهر الأخيرة مقابل الدولار الأمريكي. اليوم، يتم تداول الريال في السوق السوداء بنحو ٨٥،٠٠٠ ريال مقابل الدولار في حين أنه في أواخر عام ٢٠١٧، كان سعر الدولار حوالي ٤٣،٠٠٠ ريال، أي النصف تقريباً. قام البرلمان الإيراني بعدها بإصدار نداء إلى الرئيس حسن روحاني لتغيير فريقه الاقتصادي من أجل التقليل من أثر الأزمة على المواطن الإيراني. وفي يوم الأربعاء الماضي، حث مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي  السلطات القضائية على التصدي بقوة "لأولئك الذين يهددون الأمن الاقتصادي".
     
أتت الاحتجاجات في طهران في أعقاب مظاهرات حاشدة في عدة مدن إيرانية أخرى في أواخر العام الماضي. في حينه، ردت الحكومة على تلك الاحتجاجات بقتل حوالي ٢٤ متظاهراً. لكن في الأشهر التي تلت ذلك، استمرت الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار، وفرض ارتداء الحجاب، والفساد. وأظهرت مقاطع الفيديو على تويتر المتظاهرين في حينه، وكذلك المتظاهرين الذين كانوا يحتجون في طهران هذا الأسبوع، وهم يهتفون "الموت للدكتاتور" و"الموت لخامنئي وروحاني". كما رددوا هذا الأسبوع هتافات منددة بتورط إيران في الحرب في سوريا وفي أماكن أخرى من العالم العربي.
    
يقول سعيد قاسمي نجاد، وهو زميل باحث في شؤون إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: "يشعر الناس أن النظام السياسي يخذلهم، وخاصة بما يتعلق بسياسته الخارجية.. إن الناس قد تعبوا فعلاً من ذلك ويشعرون أنه ينبغي إنفاق هذه الموارد عليهم".
  

 
إن لانخفاض الريال تأثير هائل على الاقتصاد الإيراني، حيث يجد الإيرانيون فجأة أن رواتبهم تساوي أقل مما كانت عليه قبل أسبوع. يقول قاسمي نجاد "أن الناس يزدادون فقراً، ولا سيما أولئك الذين يتقاضون أجوراً ثابتة". فعندما تنخفض قيمة العملة، فإنها تجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة بكثير. وبالفعل، فلقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسيارات والإلكترونيات في إيران في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع التضخم. يمكن أن يؤدي هذا في حالة إيران إلى انكماش اقتصادي كبير لأن المستهلكين سوف يشترون عددا أقل من السلع، ونتيجة لذلك، لن يقوم التجار بشراء البضائع وتخزينها للبيع.
   
ولقد شهدت عمليات البيع والشراء في الأسواق الإيرانية تراجعاً حاداً بسبب المخاوف من أن المبالغ النقدية المتبادلة أثناء المعاملات التجارية قد تفقد قيمتها حتى قبل إيداعها في حساب مصرفي. ولم يساعد قرار البنك المركزي الإيراني الأخير بتخفيض أسعار الفائدة في تشجيع المودعين على الإبقاء على إيداعاتهم في الحسابات المصرفية. وبحسب وكالة رويترز، فإن الإيرانيين بدؤوا بالابتعاد عن ادخّار الأموال النقدية بالقيام بتحويلها إلى أصول آمنة مثل الذهب والعقارات وسوق الأوراق المالية، التي ارتفعت قيمتها في الأسابيع الأخيرة.
   
في أبريل الماضي، حاولت الحكومة الإيرانية التدخل لمنع تراجع قيمة الريال من خلال تحديد سعر رسمي له قدره ٤٢،٠٠٠ ألف ريال للدولار، ومنع تداوله بأي سعر آخر. لكن تلك الخطوة لم تكن فعالة في كبح المضاربة على العملات في السوق السوداء، وبدلاً من ذلك نتج عنها استمرار انخفاض قيمة العملة الإيرانية. وكشف محمود واعظي، المتحدث باسم الرئيس الإيراني حسن روحاني، كشف مؤخراً أن عددا من التجار قاموا بشراء السلع المستوردة بسعر الصرف المحدد من قبل الحكومة، لكنهم باعوها لاحقا في السوق بسعر السوق السوداء.
     
كما اتخذت الحكومة خطوات لحظر استيراد أكثر من ١٣٠٠ سلعة يمكن تصنيعها محليًا، بما في ذلك المنسوجات والأحذية. ويُعتقد أن هذه الخطوة، التي من المتوقع أن توفر ١٠ مليار دولار من العملات الأجنبية، هي تمهيد لتطبيق ما يسميه علي خامنئي "اقتصاد المقاومة". يعطي اقتصاد المقاومة، من بين أمور أخرى، يعطي الأولوية للصناعات المحلية فيما يقوم بادخار الاحتياطيات الأجنبية بما يتضمن الحد من قيام المواطنين بالرحلات الخارجية من أجل الحفاظ على هذه الاحتياطيات. لكن مثل هذه التحركات، بحسب قاسمي نجاد، يمكن أن تكون لها عواقب كبيرة على الحكومة الإيرانية. 
  undefined
        
يقول: "من هي الطبقة التي تقوم بالسفر إلى الخارج وتقتني السلع الكمالية؟ إنها الطبقة الوسطى الميسورة التي يوجد اتفاق ضمني بينها وبين النظام ". ويضيف: "النظام يبيع النفط، وجزء من إيرادات النفط بالدولار يذهب إلى الطبقة الوسطى العليا هذه: التجار، والأطباء، والمهندسين، وأساتذة الجامعات، والفنانين، وأمثالهم. [لكن] النظام لا يمكنه الوفاء بالوعود التي قطعها الآن بل هو يضيق على نمط حياة هؤلاء الناس. فالعقوبات اقتصادية من شأنها أن تقلل تدفق الأموال.. وذلك من شأنه أن يضغط على الطبقة المتوسطة العليا أيضاً". ويضيف: "إذا انضمت الطبقة المتوسطة العليا إلى فئة ذوي الدخل المنخفض.. أعتقد أن هذا سوف يكون أمرا خطيرا للغاية بالنسبة للنظام ".
    
تحاول الحكومة الإيرانية من وراء هذه الإجراءات استباق تأثير العقوبات الأمريكية التي ستدخل حيز التنفيذ نتيجة انسحاب الرئيس ترامب من الصفقة النووية مع إيران. وقالت إدارة ترامب مؤخرا إنها تتوقع من جميع الدول التي تشتري النفط من إيران، التي تعتبر احتياطيات للنفط لديها من الأكبر في العالم، أن تقلّص من مشترياتها إلى الصفر بحلول الرابع من (نوفمبر/ تشرين الثاني) إذا أرادت تفادي العقوبات الأمريكية عليها أيضا. إذا نفذت إدارة ترامب هذا التهديد، فإنها ستلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الإيراني، الذي يعتمد بشدة على تجارة النفط، إذ قال مايك بومبيو وزير خارجية الولايات المتحدة في بيان "يجب ألا يتفاجئ أحد برؤية الاحتجاجات تستمر في إيران.. فالشعب الإيراني يقوم بمطالبة قادته بمشاركة ثروات البلاد معهم والاستجابة لاحتياجاتهم المشروعة".
   
تقول باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في معهد أتلانتيك كاونسل بأن الولايات المتحدة قد أعلنت "حربا اقتصادية غير مبررة على الإطلاق" على إيران. وتضيف بأن الولايات المتحدة تريد "ببساطة.. إضعاف إيران، وزعزعة استقرار إيران، وتحجيم دورها في المنطقة، ودفع اقتصادها إلى الانهيار". وتتابع: “إذا أدى ذلك إلى العنف وعدم الاستقرار والحرب الأهلية، فهذا يعتبر فائدة إضافية بالنسبة لهذه الإدارة". لكن هناك أسباب أخرى للاحتجاجات أيضا. فالفوائد الاقتصادية المرجوة من الصفقة النووية لم تتحقق بالوتيرة التي كان يتوقعها الإيرانيون في حين أن الحكومة تحركت بعدها بسرعة لرفع الدعم على بعض الأسعار، وخفض الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية، في وقت كانت تنفق فيه المليارات على الحرب في سوريا. وواجهت محاولات روحاني لمعالجة المشاكل البنيوية في الاقتصاد الإيراني عدة عقبات، ربما يكون أبرزها الآن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. 
   undefined
  
تقول الولايات المتحدة إنها تريد لإيران أن تكون دولة "طبيعية"، وهذا يشمل، من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، وقف دعم إيران للجماعات المتشددة عبر المنطقة، وإيقاف أنشطتها في سوريا واليمن، ووضع حد لعدائها لإسرائيل. وبحسب قاسمي نجاد، فإن الأزمة الاقتصادية والضغط الخارجي من الولايات المتحدة سوف يدفع الآن باتجاه "تغيير كافة الحسابات لدى مختلف الطبقات في إيران". لذا، يضيف، فإن مجموعة كبيرة من الناس يشعرون بخيبة أمل عميقة من ما يمكن أن يقدمه لهم النظام وأيضا بسبب الضغوط من الخارج".
 
ومع ذلك، سيكون بإمكان الاقتصاد الإيراني، على المدى القصير على الأقل، التغلب على معظم آثار العقوبات الأمريكية. فاحتياطات إيران من النقد الأجنبي قوية وهناك مؤشرات على أن بعض البلدان، وخاصة أكبر عملائها الذين يشترون نفطها، سوف تستمر في شراء النفط الإيراني وتسديد ثمن  بعملة أخرى غير الدولار الأمريكي. كما أنه من دون أي شك، ستتخذ الحكومة خطوات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد في الوقت الذي تستعد فيه لأوقات عصيبة في أعقاب الاحتجاجات في طهران.
    
لكن هذا لا يعني أنها إذا سوف تكون قادرة على إنهاء الشعور بالاستياء لدى المواطنين الإيرانيين الذين سئموا من ارتفاع الأسعار وسوء الإدارة والتقشف الاقتصادي الذي سوف يتعمّق الآن. تقول سلافين إن الاختلالات الاقتصادية في إيران ستزداد سوءا، لكن النظام سيكون قادرا على "إطعام شعبه وضمان بقاء الأضواء مضاءة". لكنها أضافت: "سوف يضعف روحاني وسوف يزداد المعسكر المتشدد قوة".
__________________________________________________________________________________________
المصدر : الجزيرة