شعار قسم ميدان

قطط بلا مخالب.. ماذا ستنتج جعجعات ترامب وروحاني؟

midan - ترمب وروحاني

في تغريدة نشرها دونالد ترامب على حسابه مساء يوم الأحد الأسبوع الماضي، حذر الرئيس ترامب إيران من "عواقب اختبرتها قلة على مر التاريخ"، فيما يبدو أنه قد يثير احتمالية وقوع صراع عسكري مع إحدى أقوى القوات المسلحة في الشرق الأوسط. وجاء ذلك ردا على تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني الموجهة للدبلوماسيين الإيرانيين بأن "أميركا يجب أن تعرف أن السلام مع إيران هي أم السلام كله، والحرب مع إيران هي أم الحروب كلها".

 

"إلى الرئيس الإيراني روحاني: إياك أن تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى، وإلا فستواجه عواقب لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ. لم نعد دولة تتهاون مع عباراتكم الجنونية المحرضة على العنف والقتل.. احذروا!"

 

قد تظهر رسالة ترامب المكتوبة بالخط العريض كما لو أن الصراع مع الجمهورية الإسلامية أمر لا مفر منه. ولكن تماما كما بعث روحاني على أمل احتمال "أم السلام"، فإن رسالة ترامب تذكرنا بتهديداته لـ "المجنون" كيم جونغ أون حيث هدد الزعيمَ الكوري الشمالي بـ "النار والغضب"، وأضاف أن الزعيم الكوري الشمالي "سيتم اختباره كما لم يحدث من قبل". بعد أشهر فقط من الإدلاء بتلك التصريحات، قابل ترامب كيم في سنغافورة وأطلق عملية دبلوماسية شديدة التفاؤل رغم عدم تحقيقها أي نتائج تذكر حتى الآن.

 

  undefined

 

وبالنظر إلى تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران التي تسممت جرّاء ثورة 1979، فإن مثل هذه النتيجة غير مرجحة إلى حد كبير مع طهران. لكن سياسة ترامب الخارجية المستقلة والتي لا يمكن التنبؤ بها تعني -كما قال في(نوفمبر/تشرين الثاني) الماضي- إنه "الشخص الوحيد المهم". ومع ذلك، قال جون بولتون -مستشار الأمن القومي- في بيان يوم الاثنين الماضي: "تحدثت مع الرئيس خلال الأيام القليلة الماضية، وأخبرني أنه إذا فعلت إيران أي شيء على الإطلاق، فإنها ستدفع ثمنا دفعه قلة على مر التاريخ".

   

في بعض النواحي، كانت تعليقات روحاني ورد ترامب متوقَّعين منذ (مايو/أيار)، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية مع إيران. وشملت تلك الصفقة أيضا الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي. لقد أكّدت إدارة ترامب أن الاتفاق -وهو الإنجاز الذي حققه الرئيس باراك أوباما في السياسة الخارجية- لم يتطرق إلى تورط إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان أو في برنامج القذائف التسيارية لإيران أو أي إجراءات إشكالية أخرى تقوم إيران بها. أما الدول والكيانات الأخرى التي لا تزال في خطة العمل الشاملة المشتركة -وهو الاسم الرسمي للاتفاق- فتشير إلى أن الاتفاقية كانت تهدف إلى التعامل حصرا مع البرنامج النووي الإيراني، وقد نجحت في الواقع في معالجة هذا الجانب من سياسات إيران. قبل انسحاب الولايات المتحدة، اعترف مسؤولو إدارة ترامب أيضا بأن إيران كانت ملتزمة بالصفقة، لكنهم زعموا أنها قد أخرت فقط امتلاك إيران للأسلحة النووية دون إنهاء مساعيها لحيازتها. ويطلق مؤيدو الاتفاق على هذا الموقف بأنه قراءة خاطئة متعمدة للاتفاق.

    

 

في الشهر الماضي، صرّحت إدارة ترامب أنها تتوقع من جميع الدول التي تشتري النفط من إيران -التي تمتلك بعض أكبر احتياطيات النفط في العالم- أن تنهي مشترياتها إلى الصفر تدريجيا بحلول الرابع من (نوفمبر/تشرين الثاني) أو ستواجه عقوبات أميركية؛ إضافة إلى استهداف التجارات الأخرى مع إيران. وذكرت الإدارة أنها لن تقدم إعفاءات من العقوبات -حتى بالنسبة للحلفاء الأميركيين في أوروبا الذين يتاجرون مع إيران- وهي خطوة من المؤكد أنها ستؤذي اقتصاد إيران. وصرّحت إيران أنها ستبقى طرفا في الاتفاقية طالما أن الدول الأخرى الموقّعة على الاتفاق تزوِّد طهران بالاستثمارات التي وُعِدت بها مقابل توقيع الاتفاقية. قام الاتحاد الأوروبي بسن تشريع يستهدف الشركات الأوروبية التي تمتثل لقانون العقوبات الأميركية المفروض على التجارة مع إيران. ولكن بالنسبة للشركات الأوروبية التي تمتلك سلاسل التوريد العالمية الخاصة بها والقوى العاملة الدولية، فإن الوصول إلى النظام المالي الأميركي (الذي سيتم وقف الوصول إليه في حالة فرض عقوبات أميركية)، وكذلك الوصول إلى سوق المستهلك الأميركي يعتبران أكثر أهمية بكثير من أي تعامل مع إيران. في الواقع، في حين يقول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إنهم سيستمرون في الالتزام بالاتفاق، فإن لديهم القليل من الخيارات الواقعية المتبقية للحفاظ على استمرارية الاتفاق.

   

وفي خطاب ألقاه مايك بومبيو -وزير الخارجية الأميركي- في الثاني عشر من مايو/أيار، ذكر 12 شرطا يتعيّن على إيران أن تستوفيها إذا أرادت استمرار العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الولايات المتحدة. ومن بينها: إنهاء برنامج القذائف التسيارية ودعمها "للجماعات الإرهابية مثل حزب الله" وسوء تصرفها في إيران وسوريا. أخبرتني باربرا سلافين -مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي- آنذاك أن القائمة لا طائل منها. وقالت عن بومبيو: "إنه لا يطلب من الفهد أن يغيّر طبيعته بل يريده أن يصبح حمَلا وديعا".

   

توقع الإيرانيون أن تؤتي الصفقة النووية ثمارها على اقتصادهم الذي تعطل بسبب سنوات من العقوبات الدولية. لكن هذه الفوائد المتوقعة كانت بطيئة في تحقيقها، لأن منتقدي إيران يقولون إن الجمهورية الإسلامية تنفق أموالها على المغامرات العسكرية في سوريا واليمن وأماكن أخرى في المنطقة، مما أدى إلى احتجاجات ضد كل من قادة إيران المنتخبين وضد رجال الدين الشيعة الذين يمتلكون سلطة شبه مطلقة.

  

صرّح بهرام قاسمي -المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية- يوم الاثنين الماضي بأن تصريحات بومبيو تشير إلى
صرّح بهرام قاسمي -المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية- يوم الاثنين الماضي بأن تصريحات بومبيو تشير إلى "الإحباط" الأميركي
   

وصرّحت إدارة ترامب أنها تدعم الشعب الإيراني ضد حكامه، ولكن في الوقت نفسه، تُعَدّ إيران من بين الدول المدرجة على قائمة الدول التي يُحظر على مواطنيها السفر إلى الولايات المتحدة في أغلب الظروف. وقال بومبيو في حديثه يوم الأحد في مكتبة رونالد ريغان الرئاسية في كاليفورنيا إن النظام الإيراني "يشبه المافيا أكثر من كونه حكومة"، وأضاف أن "هدف جهودنا هو رؤية الإيرانيين في إيران يتمتعون بالأحوال المعيشية نفسها التي يتمتع بها الإيرانيون في أميركا".

      

في المقابل صرّح بهرام قاسمي -المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية- يوم الاثنين الماضي بأن تصريحات بومبيو تشير إلى "الإحباط" الأميركي، مضيفا أن خطاب بومبيو يتصف "بالنفاق والسخافة". علل ذلك قائلا: "شكلت كلمات بومبيو دليلا دامغا على الجهود الأميركية للتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية". قد يكون هذا تحديدا ما ستقوله العديد من الدول المجاورة لإيران حول تصرفاتها داخل حدودهم.

  

في نهاية المطاف، لا تستطيع إيران تحمل الحرب مع الولايات المتحدة؛ فهي مشغولة في سوريا والعراق وبدرجة أقل في اليمن ولبنان، إذ إنها تمول حزب الله والحوثيين. ويحدث كل هذا بينما يتهاوى اقتصادها ومن المؤكد أن الأمر سيزداد سوءا. لكن ما تستطيع إيران فعله هو تعقيد الأمور في المنطقة بالنسبة لترامب، إذ تمتلك نفوذا سياسيا وثقافيا واسعا في العراق الذي يقف على أعتاب الاستقرار بعد سنوات من الصراع رغم الاحتجاجات المستمرة فيه في الوقت الراهن. كما تواصل إيران دعم نظام الأسد في سوريا، ولديها القدرة على زرع عدم الاستقرار في أفغانستان الواقعة على حدودها. في المقابل، تدرك الولايات المتحدة ذلك جيدا؛ فحتى لو كان أكثر العناصر عدوانية في إدارة ترامب يفضلون وجود الصراع مع إيران فإنه لا يوجد ما يشير إلى صحة هذا الأمر، حيث يُعرَف بأن الرئيس يعارض المغامرة العسكرية الأميركية. وكما قال، فهو "الشخص الوحيد المهم"؛ أي إن الكلمة الأولى والأخيرة تعود له.

________________________________________________________________________________________________

(ترجمة: آلاء أبو رميلة)

(الرابط الأصلي)

المصدر : الجزيرة