شعار قسم ميدان

هل تحول منظومة S-300 الروسية سماء سوريا لمنطقة محرمة؟

ميدان - منظومة s -300

لم يمر إسقاط طائرة الشحن الروسية (إيل-20) مرور الكرام، وهي الطائرة التي سقطت بعد قصف الطيران الإسرائيلي (1) لمواقع قرب اللاذقية في السابع عشر من سبتمبر/أيلول مما استدعى رد فعل غير دقيق من جانب أنظمة الدفاع الجوي السوري أسقطتها، وتلت الحادثة عاصفة دبلوماسية وسياسية وعسكرية؛ إلا أن ما تصدّر المشهد فيها مجددا هو حديث معتاد عن تسليم موسكو للنظام السوري منظومة S-300 الروسية الشهيرة للدفاع الجوي، وهي المنظومة القادرة -حال امتلكها نظام الأسد بشكل فعلي- على تغيير قواعد لعبة السماء بشكل كبير.

  

لم يكن ذلك الحديث الروسي الأول بتسليم نظام الأسد الابن منظومة S-300 تحديدًا، فلطالما سعى بشار الأسد لامتلاكها وتفاوض مع الروس أكثر من مرة، وبعودة تاريخية بسيطة يظهر المشهد متكررا بشكل استثنائي، فبدءً من عام 2005؛ صرح النظام السوري بإلحاح عن حاجته للحصول على نظام الدفاع الجوي المتطور لحماية سمائه من عدوه الإسرائيلي التقليدي، واقترب بأكثر من مناسبة، وتحديدًا عامي ٢٠٠٥ (2)، و٢٠١٣ (3)، وأيضًا في شهر مايو/أيار الماضي، من الحصول عليه، قبل أن تمتنع موسكو أو تؤجل الأمر لاعتبارات إستراتيجية قد لا يكون للنظام السوري علاقة بها أحيانا، وربما ترتبط كثيرًا بتوازن قوى حتمي مع واشنطن.

  

إلا أن سقوط الطائرة الأخير، ومقتل 15 روسيا فيه كـ «نتيجة مؤسفة» كما وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقصف إسرائيلي، تجاوز الخطوط الحمراء الروسية التي مُنحت الدولة العبرية بموجبها حرية التحرك في المجال الجوي السوري، مما أعطى بالمقابل مبررا لموسكو لاتخاذ خطوة إدخال النظام المتطور بالفعل، خصوصا مع خلو المجال الإستراتيجي لها بالانسحاب الأميركي من المنطقة، ما يعني توسع دورها بشكل أكبر حال إدخال المنظومة وتفعيلها.

  

"S-300"

undefined

  

بالتعريف البسيط، تتكون منظومة الدفاع الجوي الروسية الأولى من صواريخ أرض-جو متنوعة المدى مضادة للطيران وللصواريخ البالستية، وقد بدأ الاتحاد السوفييتي بإنتاجها عام 1975، ثم انتهت الاختبارات وتم استخدامها بالفعل عام 1978 وعام 1983، لنوعين رئيسين مختلفين هما “S-300P” للاستخدام البري، و”S-300V” للاستخدام البحري، إلى أن أعلنت روسيا عام 2012 عن توقف تصنيع المنظومة، ووضع تركيزها على المنظومة S-400 والتي تمثل التطور الأحدث والأكثر دقة كما يروج للإس 300.

  

تنتج هذه الصواريخ الشركة العسكرية المملوكة للدولة “(Almaz-Antey”، (4 والتي يترأس مجلس إدارتها فيكتور إيفانوف، عنصر المخابرات السابق والمحارب القديم في الحرب الأفغانية وأحد المقربين من بوتين، وهي ثامن أكبر متعاقد عسكري في العالم للعام الماضي ٢٠١٧5، بمبيعات لأنظمة الدفاع الجوي الروسية لمناطق عديدة، إضافة لنشرها في مناطق النفوذ الروسي مثل أوكرانيا وسوريا، كما حصلت عليها كل من إيران والصين مؤخرا.

  

لا تمتاز S-300 بمدى صواريخها الواسع الذي يصل إلى 150 كم وحسب(6)، وإنما أيضًا بدقتها العالية وقدرتها على الاشتباك مع أي هدف جوي، سواء كانت طائرات مقاتلة حديثة على ارتفاعات عالية، أو صواريخ بالستية، أو حتى أهداف منخفضة المدى، فضلًا عن أنها منظومة آلية بالكامل، أي أنها ترصد وتعطي الأوامر وتستهدف بشكل آلي منذ لحظة الرصد، مع إمكانية تفعيل النظام اليدوي بطبيعة الحال، بما يجعلها إحدى أهم الأسلحة التي تمكن روسيا من خلق مناطق (A2/AD (7 الأشبه بمناطق الحظر الجوي في أماكن انتشار المنظومة، ما يعد أحد أهم أسباب ارتفاع سعرها الذي يصل إلى 115 مليون دولار للمنظومة الواحدة، وما يقارب المليون دولار لكل صاروخ. (8)

      

يبدو أكيدًا أن منظومة
يبدو أكيدًا أن منظومة "S-300"  قادرة على استهداف طائرات الجيل الرابع المقاتلة وما دونها، وأشهرها الإف-١٦ الأمريكية الأكثر انتشارا
     

تبدأ المنظومة بالعمل منذ تحديد عربة رادار المراقبة للهدف الذي قد يبعد حتى 300 كم، وتنقل المعلومات لعربة التحكم التي تحلل الأهداف المحتملة، وبناء عليه؛ ترسل الأوامر لرادار الاشتباك فيأمر بإطلاق الصواريخ من أفضل عربات الإطلاق الست موقعا، وتطلق كل عربة منها صاروخين (من أصل أربعة صواريخ تحملها كل عربة)، يوجهها رادار الاشتباك ممتلكًا إمكانية توجيه 12 صاروخا في وقت واحد، في مدة لا تتجاوز الخمس دقائق بين الرصد والاستهداف، ولا تتعدى ثلاث ثوانٍ بين إطلاق كل صاروخين.

 

وبينما يبدو أكيدًا أن المنظومة قادرة على استهداف طائرات الجيل الرابع المقاتلة وما دونها، وأشهرها الإف-١٦ الأمريكية الأكثر انتشارا، إلا أن قدرتها على استهداف طائرات الجيل الخامس الأكثر تطورا كطائرات الإف-٣٥، والتي حصلت عليها إسرائيل مؤخرا، ما زالت محل شك (9) من خبراء عسكريين، رغم التأكيدات الروسية المتتالية "النظرية" على ذلك، إذ أن أنظمة الإس 300 في تعاملها مع طائرات شبحية كتلك لم تملك القدرة الكافية بعد على تحليل صور الطائرات ومعالجتها بما يكفي للاشتباك معها خلال وقت قصير لصعوبة رصدها بالأساس، إضافة لعدم تطور المنظومة بما يكفي لاستهداف الصواريخ البالستية التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.

  

ومن المثير للاهتمام أن المنظومة، رغم تطورها ومبيعاتها، لم تُستخدم في اشتباك مباشر منذ إنتاجها، سواء في روسيا أو في الدول التي حصلت عليها، وإنما ظلت أداة ردع وتوازن استراتيجي صاروخي، ضمن نزاعات متداخلة ومعقدة، كما هي الحالة السورية.

 

شيطان التفاصيل

في حال صدقت الوعود الروسية بتسليم المنظومة هذه المرة، فإن عدد المنظومات المتوقع نقله خلال الأسبوعين المقبلين سيصل لست منظومات (أي حوالي ٣٦ عربة إطلاق)(10)، قد ترتفع في المستقبل القريب إلى ثمان منظومات، سيتم نشرها على طول الساحل السوري، وعلى الحدود مع إسرائيل والأردن ولبنان والعراق، بما يمّكن بتحويل سوريا بالكامل إلى منطقة حظر جوي شامل تحت الحماية الروسية، كما سيغطي مساحة واسعة من إسرائيل أيضًا.

   

     

إلا أن هذه الوعود تبدو على الأرجح أقرب لرد فعل روسي يراد له أن يبدو حازمًا عما هي عليه في الواقع؛ إذ أن نقل المنظومة واستخدامها يرافقه الكثير من الأسئلة، كمن سيستقبل المنظومة؟ ومن سيستخدمها؟ ومن سيدرب ويتدرب على استخدامها؟ ففي حال استغرق نقل المنظومة هذه المدة المعلنة؛ فإن تدريب الضباط والعناصر السوريين على منظومة عسكرية روسية بالكامل سيستغرق مدة لا تقل عن شهر على أفضل الأحوال نظرا لحواجز اللغة وفارق التقنية والمستوى العسكري، فضلًا عن إن كانت روسيا، بعد كل ذلك، مستعدة للمجازفة بوضع أفضل أسلحتها للدفاع الجوي تحت أيدي ضباط وجيش ينظر له الكرملين دومًا بعين الانتقاص واتهامات قلة الكفاءة.

 

أما إن كان نقل المنظومة من روسيا وإليها، فلن يستغرق الأمر وقتًا كثيرًا، نظرا لامتلاك الروس الخبرة الكافية لاستخدامها، ولأن سوريا بالفعل تحتوي على كلا من منظومتي إس 200 الشقيقة الكبرى والأقل تطورًا، ويمتلكها النظام السوري وهي التي أسقطت الطائرة الروسية ومن قبلها طائرة إسرائيلية، ومنظومة الإس 400 الأكثر تطورا في قاعدة حميميم تحت السيطرة الروسية، والتي نشرتها موسكو هناك بعد إسقاط طائرة مقاتلة لها من قبل الأتراك عام ٢٠١٥.

 

ولذلك؛ فرغم أن مجرد انتشار المنظومات الروسية وتغطيتها لكل الأراضي السورية سيصعب مهمة غارات الجو الإسرائيلية بشكل فارق، إلا أن هذا بحد ذاته قد يعد تغير تكتيكي لا يمثل تغييرا جوهريا في الميزان الاستراتيجي إلا في حالة واحدة، وهي وصول الإس 300 إلى النظام السوري نفسه، ووضعها تحت أيدي جيش الأسد بالكامل، بما يعني وضع الطائرات الإسرائيلية – الأكثر انتشارا في سماء سوريا – في مرمى دمشق، غير الملتزمة بأي بروتوكول أو تعهد أو قواعد عدم اشتباك مع الإسرائيليين، بعكس موسكو؛ والتي رغم دخول الطيران الإسرائيلي بل واقترابه مباشرة من منظومة دفاعها الجوي الأكثر تطورا إس 400؛ إلا أنها استطاعت ضبط البروتوكولات العسكرية والترددات التقنية لعدم استهداف هذه الطائرات بنجاح على مدى ثلاث سنوات، قالت خلالها إسرائيل أنها نفذت فيها أكثر من مئتي غارة.

  

بالنسبة لموسكو، فإن انتشار هذه المنظومات انتصار تكتيكي واستراتيجي بكل الأحوال، سواء بقيت تحت سيطرتها أم سلمتها للنظام السوري؛ إذ أن وصول مزيد من هذه المنظومات للمنطقة يعني توسعا في منطقتها العازلة، واقترابها أكثر من القواعد الأمريكية الكبرى في الخليج، وامتدادا لهذه المنطقة، عبر سوريا وإيران -التي نشرت المنظومة ذاتها على حدودها الغربية عام ٢٠١٥- وصولا إلى موسكو، بما يشكل ما يمكن تسميته "درعا صاروخيا" شرقيا شبيها بالدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا، يمثل أكبر الأدلة وأوضحها على التراجع الأمريكي في المنطقة لصالح الروس.

   

  

ينسحب الأمر نفسه على حلفاء موسكو في الصراع، وتحديدا طهران ودمشق؛ ففي الوقت الذي ستعزز به إيران من الاستمرار في تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية، متمثلة بنقل الأسلحة وتأسيس القواعد في سوريا وعبرها، بعد أن ازدادت المهمة صعوبة بشكل فارق على الطيران الإسرائيلي، واستغلالها لهذه الميزة بالاقتراب من منصات الإطلاق المنتشرة في مواقع هامة وإستراتيجية لها -على الحدود الإسرائيلية والعراقية واللبنانية تحديدا- بشكل مباشر لضمان عدم استهدافها على الإطلاق؛ يستعيد النظام السوري شيئا من صورته بامتلاكه منظومة تسعى دول إقليمية كبرى في المنطقة، مثل السعودية، لامتلاكها منذ أعوام، كما سيمتلك ورقة ضغط عسكرية كبيرة ضد خصومه وحلفائه على السواء.

  

وبالطريقة نفسها؛ يمثل الأمر ضربة بالنسبة لتل أبيب، وهي ضربة سيتفاوت حجمها بحسب التفاصيل، ويبقى الثابت فيها أمران: ضربة جوهرية للعلاقات الروسية- الإسرائيلية، لا بسبب انتشار المنظومة أو إسقاط الطائرة وحسب؛ بل بما وراءه من تصعيد متعمد من الجانب الروسي الذي سايرته إسرائيل بداية وتعاونت معه؛ لكنه كشف مع انتشار المنظومة عن الغضب الإسرائيلي مما تود تل أبيب أن تصفه بـ «الكذب البواح» في الرواية الروسية لإسقاط الطائرة، وهو تصعيد يبدو أنه جاء ردا على ما اعتبرته موسكو بالمقابل «غطرسة» إسرائيلية بالتباهي بالضربات، وإحراجا لموسكو مع حلفائها، أما الأمر الثاني فضربة جاءت لحرية الاستهداف الإسرائيلي داخل سوريا، إذ بات عليها أن «تفكر مرتين» (11) الآن قبل أي ضربة قد توجهها داخل سوريا، وأن «تأخذ الإذن» الفعلي بتنفيذها من موسكو، لا مجرد إشعار كما كان الحال سابقا.

  

أما المتغير فهو يعتمد على تفاصيل الصفقة، وتحديدا ماهية متسلم المنظومة، إشرافا واستخداما؛ ففي حال كان الروس فستغدو درجة الصعوبة أقل بشكل فارق، فيما لو كان الذي سيستلمها هم السوريون الذين سيكونون منطلقين أكثر في استهداف الطائرات الإسرائيلية من الروس؛ وفي كلا الحالتين؛ فلن تتوقف (12) الطائرات الإسرائيلية عن غاراتها التي تمثل بالنسبة لها هدفا قوميا استراتيجيا بالحد من النفوذ الإيراني، وهو ما تستطيعه نظرا إلى أن طائراتها المتطورة إف 35 قادرة نظريًا على تجاوز المنظومة الروسية، ولكن بمدى أقل وخطورة أكبر.

 

ابحث عن السياسي

undefined

 

ورغم وجود دوافع قوية ومبررة في هذه الحادثة لإتمام الصفقة ونقل المنظومات وتسليمها لنظام الأسد؛ إلا أنه لا يوجد ما يمنع الروس عن التراجع كما حدث في المرات السابقة، إذ إن التهديد بالردع لا يقل فعالية عن الردع ذاته؛ بما سيمنح موسكو أفضلية وورقة رابحة لفرض شروطها وقيودها الجديدة على الجانب الإسرائيلي تحديدا والذي لا يملك سوى القبول نظرا لوجود مصالحه على المحك.

  

وحتى داخل تحالف موسكو-طهران-دمشق؛ فإن موسكو بهذه الطريقة ستملك اليد العليا على الطرفين الآخرين، موسعة محميتها السياسية والدبلوماسية إلى العسكرية المباشرة، بما يسمح لها كذلك بتشكيل أو إعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري بما يلائمها وحدها في حال وقع تضارب في المصالح، كما جرى في حالة إدلب التي رضخ بها النظام بطريقة وصفت بالـ «مهينة» للاتفاق الروسي التركي.

   

وبين إتمام الصفقة وعدم البدء بها من الأساس، يوجد طيف واسع تستطيع موسكو التلاعب به بسهولة، وهو ما يُتوقع أن يحدث كي لا تفقد موسكو مصداقيتها وتفقد تفوقها الاستراتيجي، فمثلا يمكن أن يتم نقل المنظومات دون توزيعها، أو نقلها وتوزيعها دون تفعيلها، أو نقلها وتوزيعها وتفعيلها ولكن تحت سيطرة روسية بذريعة عدم جاهزية جيش النظام بعد، وهو تلاعب تملك به موسكو الأفضلية الكبرى، إذ أنها ستعزز بأي سيناريو، مهما كان، موقعها الاستراتيجي في سوريا والمنطقة، بل وعالميا، على أنها الممسكة بحبال كل الأطراف الأخرى، والمهيئة للمسرح الاستراتيجي الذي لا تملك الأطراف الأخرى سوى المشاركة به فقط، وحتى حين.

المصدر : الجزيرة