شعار قسم ميدان

إعادة تأهيل بن سلمان.. ماذا وراء التغييرات الحكومية الأخيرة في السعودية؟

midan - رئيسية بن سلمان1

لا أحد يعرف على وجه الدقة لماذا أقيل "إبراهيم العساف" من موقعه بعد أكثر من عقدين قضاهما حاملا لمفاتيح خزائن المال السعودي، فرغم أن الملوك في الرياض وكما جرت العادة لا يكونون ملزمين أبدا بتقديم أية مبررات لقراراتهم، أصغرها قبل أكبرها، إلا أن الإطاحة بالمسؤولين المخضرمين الذي خدموا مع عدة ملوك غالبا ما تثير تساؤلات حول ما إذا كان الأمر يتعلق بتغيير منتظر في السياسات، أم بخلافات شخصية، أم أنه التغيير وفقط في نهاية المطاف.

 

غير أن "العساف"، حين غادر منصبه الأثير في الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2016 بعد أن خدم في منصبه مع ثلاثة ملوك هم "فهد" و"عبد الله" و"سلمان"، لم يكن وقتها أول تكنوقراط سعودي مخضرم يتم استبعاده من الحكومة الجديدة للملك سلمان وولي ولي عهده القوي آنذاك "محمد بن سلمان"، فقبل أشهر من رحيل "العساف"، كان تكنوقراط مخضرم آخر وهو "علي النعيمي"، أقدم وزير نفط في العالم والذي أشرف على السياسات النفطية السعودية لأكثر من ثلاثة عقود، قد غادر الحكومة هو الآخر إثر خلافات متزايدة(1) مع "ابن سلمان" بسبب تدخله في السياسة النفطية وإصراره على "تسييس النفط"، في مخالفة لسياسة موازنة العرض والطلب التي حافظ عليها النعيمي لسنوات طويلة.

   

إبراهيم العساف (مواقع التواصل)
إبراهيم العساف (مواقع التواصل)

  

لكن المفاجأة الكبرى بخصوص "العساف"، الذي احتفظ بموقعه في الحكومة كوزير دولة بعد استبعاده من حقيبة المالية منذ عامين تقريبًا، كانت إدراج اسمه بشكل مفاجئ ضمن أكثر من 200 من الأمراء ورجال الأعمال الذين احتجزهم "ابن سلمان" -من أصبح وليًا للعهد حينها- في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض ضمن حملة مزعومة لمكافحة الفساد، ومع كون "العساف" لا يحمل رتبة ملكية، كما أنه ليس رجل أعمال بالمعنى المتعارف عليه، كان إدراج اسمه ضمن قائمة سجناء "ريتز" الشهيرة مثيرا للاستغراب إلى حد كبير.

 

لم تفصح الحكومة السعودية كعادتها عن سر احتجازها "للعساف"، أو لماذا أفرجت عنه في نهاية المطاف، باستثناء إشارات(2) صحفية مقتضبة عن كون جهات التحقيق اكتشفت عدم صحة جميع البلاغات التي وردت خلال فترة عمله كوزير للمالية، غير أن ما لم يُشِر إليه أحد أن "العساف" هو الآخر ربما يكون قد فقد منصبه كالنعيمي، وفقد حريته أيضا لفترة قصيرة من الزمان، نتيجة لخلاف مع "ابن سلمان" يتعلق بأحد أدواره كوزير للمالية في إبرام صفقات الأسلحة السعودية، وتحديدا صفقة الأسلحة السعودية الفرنسية التي عرفت إعلاميا لفترة من الوقت بـ "دوناس".

 

يعود الاتفاق المبدئي حول تلك الصفقة إلى أواخر عام 2013 في عهد الملك الراحل "عبد الله"، حين تعهدت(3) السعودية بتمويل صفقة أسلحة فرنسية للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تتراجع المملكة عن تعهداتها لاحقا بعد صعود الملك سلمان، محتجة بالمواقف اللبنانية المناهضة للرياض ومتذرعة بتحكم "حزب الله" في سياسات بيروت كما قالت، ومن ثم قرر القصر الملكي السعودي توجيه الأسلحة الفرنسية إلى أراضي بلاده بدلا من لبنان، أما في الداخل السعودي، فكان وزير الدفاع السعودي حينها "ابن سلمان" عازما على استغلال الصفقة لإحكام قبضته على هيكل المشتريات العسكرية السعودية بشكل كامل.

 

    

في ذلك التوقيت، كان "العساف" منخرطا في المفاوضات مع وكالة التصدير العسكري الفرنسية "أوداس"، وهي الهيئة المسؤولة عن صادرات الأسلحة في باريس، لكن المقربين من ابن سلمان كانوا مقتنعين(4) بأن حاشية الملك الراحل "عبد الله" كانت في طريقها لتحقيق أكبر استفادة من الصفقة العسكرية العملاقة بفضل علاقاتها الراسخة مع صناعة الدفاع الفرنسية، وكانوا مقتنعين أيضًا بأن وكالة التصدير العسكري الفرنسية تمارس نشاطها من خلال نفس القنوات القديمة التي سادت أيام الملك الراحل، ولم تكيف نفسها مع تغير هيكل السلطة، وكان الخلاف يدور بشكل رئيس حول مشاركة الوسيط اللبناني "محمد الزير" في مفاوضات "دوناس".

 

كان "الزير"، الذي يرأس شركة استشارات في مجال الطيران تدعى "ماز أفييشن كونسلتينج"، مقربا إلى حد كبير من عشيرة وزير الدفاع الأسبق "سلطان بن عبد العزيز" الذي سيطر على المشتريات السعودية الدفاعية زهاء أربعة عقود، حتى إن "الزير" كان يرأس شركة طيران ناس إير (فلاي ناس حاليا)، التي أسسها "خالد بن سلطان" نجل وزير الدفاع الراحل، كما أنه "الزير" كان مقربا أيضا من "خالد التويجري" رئيس ديوان الملك "عبد الله" القوي، وأحد أكثر الشخصيات المغضوب عليها في نظام "سلمان" الجديد، ونتيجة لذلك، كان "ابن سلمان" مقتنعا أن "الزير" لا يزال متحالفا بشكل غير رسمي مع أسرة الملك الراحل "عبد الله" وعلى رأسهم الأمير "متعب بن عبد الله" والذي كان لا يزال رئيسا للحرس الوطني السعودي.

 

ومع قناعته تلك، قرر ابن سلمان ممارسة ضغوطه(5) على "العساف" لإبعاد "الزير" وهو أحد مستشاري الأخير المقربين من المفاوضات، لكن "العساف" الذي اعتاد على ممارسة قدر من الحرية في مثل هذه الأمور في العهود السالفة، قرر الإبقاء على مستشاره "الزير" للاستفادة بعلاقته القوية مع "أوداس"، وهو ما أثار استياء "ابن سلمان" على ما يبدو ودفعه لاستغلال سلطته كرئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لإجراء مراجعة رئيسة للعقود السابقة لوزارة الدفاع، حيث قام بتعطيل(6) الشريحة الرابعة والأهم في العقد السعودي الفرنسي، وقبل ذلك كان قد أوحي لوالده الملك بإقالة "العساف" من المالية، ليحل محله "محمد عبد الله الجدعان"، الذين يدين(7) بشكل أكبر للملك سلمان ونجله منذ تم تعيينه رئيسا لهيئة سوق المال بمرتبة وزير مطلع عام 2016.

   

محمد عبد الله الجدعان (رويترز)
محمد عبد الله الجدعان (رويترز)

  

في الأشهر اللاحقة سارت الأمور على النحو المتعارف عليه، من احتجاز "العساف" بسبب دوره في صفقات الأسلحة أيضا على ما يبدو، ثم الإفراج عنه ليعاود ممارسة مهمته الجديدة الصورية نسبيا في مجلس الوزراء السعودي، في نهاية بدت(8) مشينة لحياة مهنية حافلة، لكن "العساف" نجح في العودة إلى دائرة الضوء مجددا بفضل الأوامر الملكية الصادرة نهاية الأسبوع الماضي متوليا منصب وزير الخارجية، أحد أكثر المناصب أهمية في الحكومة السعودية، وأكثرها حساسية في الوقت الراهن بشكل خاص، بسبب معاناة المملكة من صورتها الدولية المهتزة وعلاقاتها الخارجية أعقاب مقتل الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بما يعني أن "العساف"، عملاق الماليات المخضرم الذي أبعده "ابن سلمان" قبل عامين، واحتجزه في سجن "ريتز" الفاخر قبل عام وينيف، قد عاد اليوم ليلعب دور حصان طروادة للنظام السعودي في إحدى أكثر الفترات هشاشة وحرجا في تاريخ دبلوماسية مملكة الشرق الأوسط الأكبر.

 

إعادة التأهيل

كان إبعاد "عادل الجبير" أمرا متوقعا على كل حال، فوزير الخارجية السابق، ووزير الدولة للشؤون الخارجية المنتظر، تحول إلى بطاقة دبلوماسية محترقة بعد أن أنهكه الدفاع عن الروايات المتتابعة والمتناقضة للرياض حول مقتل جمال خاشقجي، تناقض وإنهاك وصلا لدرجة اضطرته لتقديم استقالته في وقت سابق، ولكنها رفضت من قبل الملك سلمان وفقا(9) لمصادر صحيفة "وول ستريت جورنال".

 

لا تكمن الأحجية إذن في إبعاد "الجبير" بقدر ما تكن في هوية القادم، وتكمن في حقيقة السبب الذي دفع "ابن سلمان" للاستعانة بوجه تكنوقراطي عتيد سبق أن أطاح به مرة واحتجزه مرة، بدلا من إعادة وزارة الخارجية من جديد مثلًا إلى كنف أمير سعودي موال له كما كان الحال دائما قبل الجبير في عهد المخضرم "سعود الفيصل"، لكن مع التدقيق يمكن تفهم سبب هذا التوجه بالنظر إلى الإطار العام للتغييرات الملكية الأخيرة، والتي تعد في جوهرها جراحة تجميلية دقيقة لتحسين وجه المملكة بعد أزمة "خاشقجي" العاصفة.

 

     

فخلال الأسابيع الماضية، أصبح(10) من الواضح بشكل متزايد أن الحفاظ على "ابن سلمان" كوجه رئيس للمملكة صار يحمل في طياته مخاطر ومسؤوليات متزايدة، بعد أن تسببت مغامرات ولي العهد السعودي في إحداث ضرر بالغ بصورته العالمية وصورة المملكة، بداية من الحصار الذي قاده ضد قطر، مرورًا باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وافتعال أزمة دبلوماسية مع كندا والدخول في صدام مع ألمانيا، وليس انتهاء بتحميله المسؤولية الفعلية لا الرسمية المعلنة في أروقة واشنطن عن القتل الوحشي لـ "خاشقجي"، ونتيجة لذلك فإن المملكة سعت خلال الأسابيع الأخيرة للحد من الأضرار التي تكبدتها نتيجة لهذه التصرفات، سواء عبر فتح خزائنها المالية لمساندة الأردن في أزمته الاقتصادية، أو بتخفيض نبرتها تجاه الحرب في اليمن، وأيضًا بدعوة أمير قطر لحضور القمة الخليجية في الرياض والحفاظ على مستوى تمثيلي مرتفع فيها رغم اختيار قطر إرسال تمثيل من مستوى أدني.

 

غير أن الأضرار التي أصابت المملكة جراء المغامرات المتزايدة لسياستها الخارجية لم تقتصر على سمعتها العالمية فحسب، لكنها امتدت إلى تدفقات الاستثمارات التي تشتد حاجة البلاد إليها، فوفقا للبيانات(11) الاستثمارية الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، "الأونتكاد"، منتصف العام المنصرم 2018، فقد انخفض الاستثمار الأجنبي في المملكة في 2017 إلى 1.4 مليار دولار فقط، مقارنة بـ7.5 مليار دولار في 2016 و12.2 مليار دولار في عام 2012، رغم أن الرؤية الاقتصادية لـ "ابن سلمان" تعتمد بالأساس على جذب الاستثمارات، ويعني هذا الانخفاض الحاد والسريع أن العديد من الاقتصادات الأصغر حجما تجاوزت المملكة في قدرتها على جذب الاستثمارات الدولية، مثل عمان والأردن اللتين اجتذبتا 1.9 مليار دولار و1.7 مليار دولار على الترتيب في 2017 أيضًا، ومع إدراك أن المملكة استأثرت بربع الاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة غرب آسيا بين عامي 2012 و2016، في حين أن حصتها في عام 2017 بلغت 5.6% فقط من ذلك الاستثمار، فإن عمق الأزمة يزداد وضوحا.

 

والجدير بالذكر هنا أن هذه الأرقام المتهاوية تم رصدها قبل واقعة قتل "خاشقجي" وتداعياتها، وهي أكبر أزمة سياسية تشهدها المملكة منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بما يعني أن حجم الاستثمارات معرض للانخفاض بشكل أكبر مع صدور البيانات النهائية لعام 2018، وقد بدأت معالم ذلك في الظهور بالفعل مع انخفاض(12) حصة المساهمين الدوليين في البورصة السعودية من 5.1% في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي (قبل مقتل خاشقجي) إلى 4.7% في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أيضًا، فضلًا عن انسحاب عشرات رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين للشركات العالمية من قمة المملكة الاقتصادية، دافوس الصحراء، نهاية أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.

 

    

في غضون ذلك، يدرك "ابن سلمان" بشدة أنه بحاجة للاستثمارات الأجنبية وبشكل مكثف، ليس فقط لتعزيز "رؤية 2030" ودفع التحول الاقتصادي الموعود من الاعتماد على النفط نحو اقتصاد اكثر ديناميكية وذكاء كما تروج الرؤية، ولكن كثافة الاستثمارات ستمثل علامة على استعادة الثقة الدولية في حكمه المهتز، وهنا يأتي دور وزير خارجية باسم ومكانة "إبراهيم العساف"، بخبرته الأكاديمية وتاريخه الطويل في العمل المالي والمصرفي، وحضوره البارز في المحافل الاقتصادية العالمية، وصلاته الدولية الكبرى بالمستثمرين الأجانب. فمع اختيار وضع وجه مالي واقتصادي لوزارة الخارجية السعودية، فإن المملكة، وابن سلمان تحديدًا، يرسلان رسالة حول نواياهما التراجع عن المغامرات السياسية غير المحسوبة، والتركيز بشكل أكبر على اجتذاب الأعمال وطمأنة المستثمرين، بخلاف حقيقة أن كون الوزير الجديد كمعتقل سابق في "ريتز كارلتون" سوف يعطي مسحة من الشرعية لـ "حملة الاعتقالات المشبوهة" التي مازالت تثير ذعر المستثمرين الدوليين إلى اليوم.

 

يعد ذلك المزج بين الدبلوماسية السياسية وبين السياسات الاقتصادية سياسة قديمة العهد في دول الخليج، وتعود(13) بالأساس إلى عهد أمير قطر السابق "حمد بن خليفة آل ثاني" الذي وحد في عهده بين قيادة وزارة الخارجية ورئاسة هيئة الاستثمار القطرية ووضعهما في يد صديقه المقرب "حمد بن جبر"، وهي سياسة عاد إليها مجددا أمير قطر الحالي "تميم بن حمد"، في التعديل الوزاري الذي أعلن عنه مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بمنح وزير الخارجية "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" دورا إضافيا وهو رئاسة هيئة الاستثمار القطرية من أجل موازاة السياسة المالية مع السياسة الخارجية، وهي نفس الرسالة التي أرادت السعودية إيصالها – على اختلاف السياق – بتولية العساف، وزير المالية السابق، وزارة الخارجية، رغم إبقاء كل من وزير المالية السعودي الحالي "محمد الجدعان" ووزير الطاقة خالد الفالح في منصبيهما دون تغيير.

 

الصراع الملكي

غير أن إعادة تأهيل المملكة دوليا وانتهاج سياسة خارجية ترضي المستثمرين لم تكن الرسائل الوحيدة التي أراد التغيير الوزاري الجديد توصيلها، وتتعلق الحزمة التالية من الرسائل بالطريقة التي تتم بها إدارة الأمور في المملكة تحت قيادة ولي العهد الشاب، ورغبة الملك وولي عهده في استعادة صورة الإجماع المهتز بين صفوف العائلة المالكة، من خلال تعيين أمراء من بعض الأفرع المهمشة في مناصب قيادية غير حيوية، مثل الأمير "تركي بن طلال" الذي تمت ترقيته إلى منصب أمير منطقة عسير الجنوبية.

   

 تركي بن طلال (رويترز)
 تركي بن طلال (رويترز)

   

فمنذ اللحظة التي عُين فيها "ابن سلمان" كوزير للدفاع في عام 2015، أعرب(14) العديد من المراقبين عن قلقهم من أن الأمير الشاب يسارع في تحطيم تقاليد التوافق الملكي التي طالما ميزت اتخاذ القرارات داخل الأسرة السعودية الحاكمة. فبدلا من إحاطة نفسه بالأمراء الكبار والناصحين من ذوي الخبرة كما جرت العادة، فإن الأمير سارع لإرساء نهج جديد في الحكم يعتمد على تركيز غير مسبوق للسلطات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين يديه فقط، مع تهميش سائر فروع العائلة المالكة عبر التخلص من الأمراء المنافسين في «حملة مزعومة لمكافحة الفساد»، فضلا عن إحاطة نفسه بشكل غير مؤسسي بمستشارين من صغار السن وقليلي الخبرة الذين أشاروا عليه بسلسلة من التحركات السياسية غير المواتية.

 

كانت الحصة الأكبر(15) من القبضة الأمنية السلمانية العنيفة موجهة بالأساس إلى أبناء الملك الراحل "عبد الله" وحلفائهم، وهم من نظر إليهم "ابن سلمان" بوصفهم منافسيه الأكثر خطورة على السلطة، فبدأ بتجريدهم جميعا من سلطاتهم، حيث أقيل الأميران "مشعل" و"تركي" من منصبيهما كحاكمين لمنطقتي مكة والرياض، قبل أن يجرد "الأمير متعب" من منصبه المميز كقائد للحرس الوطني المسؤول عن تأمين العائلة المالكة، ولاحقا اعتقل "ابن سلمان" أربعة من أبناء عمه عبد الله وهم تركي ومشعل ومتعب إضافة إلى فيصل، الرئيس السابق للهلال الأحمر السعودي، كما قام باعتقال الأمير الشاب "سلمان بن عبد العزيز بن سلمان" (غزالان) المتزوج أيضا من ابنة الملك الراحل عبد الله.

 

وكجزء من حملته الأوسع ضد المنافسين من حلفاء جناح الملك عبد الله، وجه "ابن سلمان" سيف أجهزته الأمنية إلى فرع جديد من أبناء عمومته وهو أبناء عمه الأمير "طلال بن عبد العزيز"، الذين صنفهم ولي العهد ضمن خانة خصومه السياسيين بسبب علاقتهم بالملك عبد الله وأبنائه رغم عدم اشتغالهم بمواقع سياسية مميزة، وكان هذا البطش الأمني على الأرجح نوعا من النكاية في والدهم الأمير "طلال بن عبد العزيز"، من كان الأمير الوحيد من منزلته الذي عارض علنا(16) قرارات تغيير خط الخلافة وتصعيد "محمد بن نايف" و"محمد بن سلمان" في إبريل/نيسان 2015، ومن عُد أيضا أحد المقربين من الملك الراحل عبد الله، وإن كان بشكل شخصي.

 

    

خلال العقود الأخيرة، لم يكن "طلال بن عبد العزيز"، أو "الأمير الأحمر" كما يعرف هناك، منافسا شرسا على العرش، وقد تحول لشخصية مثيرة للجدل في بيت آل سعود منذ قيادته نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات لحركة "الأمراء الأحرار"، وهي حركة دعت لتأسيس ملكية دستورية في السعودية، وعوقب بسببها "الأمير الأحمر" بمصادرة ممتلكاته والنفي إلى بيروت والقاهرة حيث بقي على هامش السياسة السعودية، ولكن كما أورد(17) "سايمون هندرسون" المتخصص في الشأن السعودي في معهد واشنطن، فقد كانت هناك محاولة جادة من قبل الملك "عبد الله" لإعادة شقيقه "طلال" إلى الحياة السياسية في المملكة من خلال عرض ولاية العهد عليه في عام 2005، ولكن "طلال" رفض وآثر الابتعاد في نهاية المطاف، فيما التزم معظم أبنائه الكبار بمجالات التجارة والمال وامتنعوا عن الانخراط في مناصب بارزة في الحكم.

 

لكن ذلك لم يكن كافيا ليبعد أبناء طلال عن مقصلة "ابن سلمان" الحادة، فتم اعتقال "الوليد ابن طلال" وشقيقه رجل الأعمال المحافظ "خالد بن طلال" وأخ ثالث لهما ضمن اعتقالات الأمراء في ريتز كارلتون، وتعرض الوليد -الملياردير السعودي النافذ- لضرب مبرح أثناء احتجازه، قبل أن يُفرج عنه بعد ثلاثة أشهر تقريبا في ظروف غامضة، وليعلن أن اعتقاله كان عبارة عن «سوء تفاهم» ويتحول إلى أحد المدافعين عن ولي العهد، وبعد أقل من شهر من الإفراج عن الوليد، تم تعيين شقيقه "تركي بن طلال" كنائب لأمير منطقة عسير الجنوبية في قرار وصفه(18) الكاتب الأمريكي المخضرم "ديفيد أغناتيوس" بأنه «محاولة للبحث عن الوفاق داخل العائلة المالكة»، قبل أن تحمل الأوامر الملكية الأخيرة ترقية جديدة لـ "تركي بن طلال"، الذي تولى إمارة منطقة "عسير" بعد إعفاء الأمير السابق "فيصل بن خالد بن عبد العزيز"، فيما بدت أنها محاولة جديدة من الملك ونجله لاسترضاء أبناء الأمير "طلال" والاستفادة من السمعة العالمية للوليد تحديدًا في الترويج للمملكة، كما تحمل في طياتها ضمنا محاولة لتكريم ذكرى الأمير الراحل خاصة أن التعيينات صدرت بعد أيام قليلة من وفاته.

 

وبقدر ما تحمل الأسماء الحاضرة في قائمة التعيينات من دلالات، فإن الغيابات تحمل نصيبها من الإشارات أيضا، وكان في مقدمة الغائبين(19) عن لائحة التغييرات الحكومية الأخيرة، على عكس المتوقع، الأمير "خالد بن سلمان" شقيق ولي العهد والسفير السعودي لدى واشنطن، والذي تشير المصادر لأنه يحافظ في الوقت الحالي على مستوى منخفض من الظهور، ويقضي معظم وقته في الرياض وليس في واشنطن هذه الأيام، حيث شوهد مؤخرا في سباق "فورميلا إيبكس" بالدرعية في 15 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، وبعده في مهرجان "الجنادرية" في العشرين من الشهر نفسه، ولاحقا في جنازة عمه "طلال" في الثالث والعشرين من الشهر.

    

الأمير خالد بن سلمان شقيق ولي العهد والسفير السعودي لدى واشنطن (رويترز)
الأمير خالد بن سلمان شقيق ولي العهد والسفير السعودي لدى واشنطن (رويترز)

   

كان الكثيرون يتوقعون(20) أن شقيق ولي العهد الشاب ربما سيترك قريبا السلك الدبلوماسي السعودي ويُرقى إلى منصب مرموق داخل المملكة، وتحديدا منصب مستشار الأمن القومي المرجح أن يحظى بصلاحيات واسعة خلال الفترة القادمة، لكن غياب "خالد بن سلمان" عن قائمة الترقيات الأخيرة يحمل على الأرجح إشارة محتملة من الملك بشكل داخلي تحمل رغبته في رأب الصدع داخل العائلة المالكة عبر إبطاء وتيرة تمكين أبنائه.

 

التحالفات غير المألوفة

على غير المتوقع، أعطت الأوامر الملكية الأخيرة منصب مستشار الأمن الوطني إلى تكنوقراط آخر يدعى "مساعد العيبان"، وهو سياسي سعودي حصل على درجات متتالية في القانون من جامعة هارفارد الأمريكية، وهو نجل "محمد العيبان" أول رئيس لجهاز الاستخبارات السعودي، وسبق أن شغل "مساعد" رئاسة مجلس إدارة هيئة تقويم التعليم، إضافة لعضوية كل من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية، وهما المجلسان اللذان تشكلا بعد صعود الملك سلمان إلى العرش، كما تم تعيينه(21) في نوفمبر/تشرين الثاني لـ 2017 على رأس هيئة جديدة مسؤولة عن الأمن الإلكتروني السعودي تحمل اسم "الهيئة الوطنية للأمن السيبراني"، وهي هيئة تضم في عضويتها رئيس أمن الدولة ورئيس الاستخبارات ونائب وزير الداخلية ومساعد وزير الدفاع.

    

خلال الأشهر التالية لذلك التعيين، توسعت أدوار "العيبان" الحكومية تدريجيا، وبعد مقتل "خاشقجي" تم تكليفه بتتبع ملفات الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجة، والذي كان يرأسه مستشار الديوان الملكي المقال على خلفية تورطه في جريمة قتل خاشقجي "سعود القحطاني"، ومن المتوقع أن تتوسع صلاحيات "العيبان" الأمنية للمشاركة في إدارة ملف اليمن، حيث سبق(22) له تولي مسؤولية الملف ذاته حين كان وزيرا للدولة في عهد الملك الراحل عبد الله.

 

غير أن المهمة الأكثر أهمية المرجح أن يضطلع بها "العيبان" ستكون هي المسؤولية عن شبكة التحالفات غير الرسمية والعلاقات الخلفية لولي العهد السعودي، ويعضد ذلك ما كشفته(23) صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق، حيث كان "العيبان" على رأس وفد سعودي زار واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد فوز ترامب بالانتخابات وقبل شهرين من تنصيبه بشكل رسمي، حيث التقى مع "جاريد كوشنر" وساهم في وضع حجر الأساس للعلاقة الخاصة بين كوشنر وابن سلمان، وهي العلاقة التي ستصبح مفتاح الرياض للتأثير في الإدارة الأمريكية خلال العامين التاليين وحتى الآن.

 

وستكون العلاقة غير الرسمية والمثيرة للجدل بين الرياض وتل أبيب أحد الملفات الرئيسة التي سيباشرها العيبان من موقعه الجديد كمستشار للأمن الوطني، وقد زعمت(24) صحيفة المنار الفلسطينية في وقت سابق من العام الماضي أن "العيبان" كان مبعوثا سريا للنظام السعودي إلى إسرائيل حيث التقى مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو زعم لم يتسنى لنا تأكيده بشكل تام، لكن وعلى أية حال فإن العلاقة مع إسرائيل تحتل على ما يبدو مرتبة متقدمة في أجندة "ابن سلمان" بسبب المصلحة المشتركة في احتواء إيران، وبسبب الدور الذي يمكن أن يضطلع به نتنياهو وتل أبيب في تخفيف الضغوط على نظام "ابن سلمان" النامي في واشنطن بعد واقعة "خاشقجي"، فضلًا عن امتلاك إسرائيل لتكنولوجيا المراقبة الحديثة التي تتطلع إليها الهيئات السيبرانية السعودية بشكل متزايد لإحكام السيطرة على ما داخل المملكة.

 

ويبقى أحد أهم التغييرات ذات الدلالة والتي حملتها الأوامر الملكية الأخيرة هي تعيين أمير جديد في منصب رئيس الحرس الوطني هو "عبد الله بن بندر بن عبد العزيز"، نائب أمير محافظة مكة الذي تم تعيينه في إبريل/نيسان 2017، وأحد أهم أبناء عمومة "ابن سلمان" المقربين منه والمشابهين له إلى حد بعيد، حيث يبلغ من العمر 32 عاما فقط، وهو خريج جامعة الملك سعود، ولم يتلق تدريبا عسكريا مميزا، ويصفه(25) محللون بأنه نسخة كربونية من ولي العهد.

   

عبد الله بن بندر بن عبد العزيز (مواقع التواصل)
عبد الله بن بندر بن عبد العزيز (مواقع التواصل)

 

يعد الحرس الوطني السعودي أِشبه بثقب أسود بالنسبة إلى "ابن سلمان"، وهو لا يعد مجرد قوة عسكرية تقليدية بقدر ما يعد معقلا(26) لتوازنات النفوذ القبلي داخل المجتمع السعودي، منذ تأسيسه في الخمسينات لاستيعاب مقاتلي القبائل الذين قاتلوا بجوار "ابن سعود" أثناء سعيه لتوحيد المملكة، قبل أن يتحول الحرس لقوة عسكرية منظمة لحماية العائلة المالكة على يد قائده التاريخي الملك الراحل "عبد الله"، من حرص مع ذلك على عدم الإخلال بالتوازنات القبلية التقليدية والامتيازات التي منحها الحرس للقبائل. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من وجود رغبة لدى سلمان ونجله في تفكيك الحرس وضمه للجيش باعتباره أهم مركز محتمل لمعارضة حكم الملك الشاب المنتظر، وهي رغبة يحاول "ابن سلمان" السير الحثيث إليها منذ صعوده حيث كلف إحدى الشركات التقنية العملاقة الدولية الخاصة بعمل قاعدة بيانات خوارزمية دقيقة للقبائل السعودية، رغم ذلك فإن أي مساس بالحرس يحتاج إلى حرص شديد لتجنب إغضاب القوى القبلية المؤثرة.

 

كان ابن سلمان قد نجح(27) بالفعل في إثارة غضب هذه القبائل إثر إقالته للأمير "متعب بن عبد الله" وتعيينه لأمير مغمور هو "خالد بن عبد العزيز العياف"، قبل أن يشن ولي العهد حملة اعتقالات واسعة (نفذها جهاز أمن الدولة) بين صفوف شيوخ القبائل المُشكِّلَة للحرس، وهي حملة أمنية تسببت في حدوث استياء كبير في صفوف القبائل المركزية مثل "مطير" و"عنزة" و"بني عوف" و"البونيان" و"غامد" و"بني جازان" و"بني هلال"، من سارعوا للاستنجاد بالملك للتدخل لحل الخلاف مؤقتا وإيقاف الحملة الأمنية، ويبدو تعيين "عبد الله بن بندر"، كثالث رئيس للحرس الوطني في غضون عام واحد تقريبا، يبدو اعترافا على الأرجح من سلمان ونجله بالفشل في السيطرة على المؤسسة العسكرية النافذة التي لطالما تمتعت باستقلالية كبيرة وولاء للملك الراحل عبد الله وأسرته، غير أن الأمير الثلاثيني من غير المنتظر أن يبلي بشكل أفضل من سلفه في التعامل مع القبائل الراسخة، ومن غير المأمول على الأرجح أن ينجح في تطويع القبائل والجهاز العسكري القوي لصالح ولي العهد.

 

الرهانات الخائبة

في المجمل، يمكننا أن نزعم أن التغييرات التي حملتها الأوامر الملكية الأخيرة تهدف في النهاية إلى تحقيق جملة أهداف، يأتي على رأسها المحافظة على السلطة الفعلية لولي العهد بعد هزة خاشقجي، مع تخفيض حضوره العالمي وتصدير وجوه أكثر قبولا للمجتمع الدولي والمستثمرين، وثانيها نقل صورة عامة حول استعادة قدر من التوافق داخل العائلة المالكة، والعودة إلى الطريقة التقليدية في الإجماع الملكي، وأخيرا استعادة ثقل المملكة الخارجي من خلال الاستثمار في التحالفات غير التقليدية واستعادة التماسك الداخلي.

 

    

بالنسبة للهدف الأول، فمن غير المرجح أن يكون الحضور الكاريزمي للعساف كافيا لإعادة الحياة للدبلوماسية السعودية المحتضرة أو جذب المستثمرين مجددا، وكما تعلمت الرياض بالتجربة الصعبة فإن المستثمرين الحقيقيين والنافذين لا يتابعون حملات العلاقة العامة ولا ينبهرون بالوجوه البراقة، ولكنهم يرصدون التغيرات الجوهرية والدقيقة وغالبًا الخاصة وشبه السرية في السياسات العامة لأي دولة، وهو ما يبدو أن المملكة أدركته بوضوح في موازنتها الجديدة والتي تضمنت إنفاقا عاما متزايدا لتعويض الأداء الباهت للقطاع الخاص وغياب الاستثمارات الأجنبية، في وقت تشير فيه التطورات إلى كون المستثمرين المحليين والعالميين يفضلون(28) أخذ هدنة من السوق السعودي لحين امتصاص الأسواق لآثار الصدمات السياسية للمملكة، بفرض أن المملكة ستكون جادة في التراجع عن سياساتها "العدائية"، وستمنح الفرصة للخبراء لاتخاذ قرارات حقيقية.

 

أما على صعيد التوافق داخل العائلة المالكة، فمن غير المنتظر أيضا أن مجموعة من التعيينات التجميلية لبعض الأمراء من غير ذوي الطموح السياسي في مجموعة من المناصب غير المؤثرة، في الوقت الذي يحتفظ فيه ولي العهد بسلطاته كاملة، من غير المرجح أن تجلب تلك التعيينات التوافق للعائلة المالكة. ورغم أن الملك ونجله يحكمان قبضتهما على مقاليد الأمور بشكل كامل في الوقت الراهن، إلا أن ذلك لن يمنع من ظهور منافسات(29) من قبل الأمراء المهمشين ولو عبر وكلاء يمثلون مصالحهم، حيث لا يزال أبناء عمومة "محمد بن نايف" على سبيل المثال يتمتعون بمواقع قوية، حيث يحكم شقيقه الأمير "سعود بن نايف" المنطقة الشرقية المضربة والغنية بالنفط وهو شيخ هذا الفرع من العائلة، في حين أن نجله "عبد العزيز" لا يزال يدير وزارة الداخلية التي تم تقليص سلطاتها ولكنها لا تزال تخضع لفرع "نايف".

 

بالمثل لا يزال "متعب بن عبد الله" يمتلك روابطًا قوية مع القبائل السعودية في الجزيرة العربية رغم فقدان كل أخوته لنفوذهم السياسي، فضلًا عن الأمراء الذين يتمتعون بالنفوذ المالي في المملكة مثل الوليد الذي اعتقله بن سلمان للتحكم في سلاسل المال، ولم يفقد هؤلاء الأمراء وغيرهم نفوذهم بشكل كامل رغم أنه تقلص بشكل كبير، ومن المرجح أن يوظفوا هذا النفوذ حال ظهور بوادر معارضة منظمة لحكم "ابن سلمان" تشجعهم على الانخراط فيها، خاصة بعد توليه المنتظر للملك بشكل رسمي وتام.

 

متعب بن عبد الله (رويترز)
متعب بن عبد الله (رويترز)

 

وعلى صعيد تحالف المملكة غير التقليدي مع تل أبيب، فمن غير المرجح أن الرياض ستمتلك الجرأة للدخول في تحالف رسمي مع الكيان العبري في الوقت الراهن، حيث يمكن لذلك التحالف العلني إن تم أن يقوض ما تبقى من رأسمال المملكة الرمزي في العالم الإسلامي بعد أن تحطمت سمعتها العالمية بالفعل بعد أزمة "خاشقجي"، وأخيرا فإن أزمة الحرس الوطني من غير المرجح أن يتم حلها باستبدال رئيسه مجددا، ويعني ذلك أن التغييرات الحكومية الأخيرة لم تكن أكثر من محاولة ظاهرية(30) لتجميل صورة النظام السعودي دون المساس بشكل جوهري بسلطة ولي العهد، بل إنها في الواقع عززت هذه السلطة من خلال تعيين وجوه جديدة تدين لابن سلمان بولاء شبه مطلق في نهاية المطاف، وهي وجوه قد ينجح بيعها إعلاميًا، لكن بيعها لمتنفذي العالم يتطلب مستويات تنازل ليس من المرجح أن يقدم عليها ولي العهد الشاب، على الإطلاق.

المصدر : الجزيرة