شعار قسم ميدان

أوروبا لم تتفكك.. هكذا ساهم صعود ترامب وخروج بريطانيا في الوحدة الأوروبية

midan - رئيسية اتحاد أوروبي

يرقب الأوروبيّون في الناحية الأخرى من القنال الإنجليزيّ بتوتّر احتدام النقاش في بريطانيا حول خروج البلاد من الاتّحاد الأوروبيّ، خائفين مما سينتج من آثار لانفصال المملكة المتّحدة عن الاتّحاد الأوروبيّ على كتلتهم السياسية والاقتصاديّة القائمة منذ عقود. فقد أرجأت رئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي يوم 11 ديسمبر/كانون الأول تصويتا برلمانيا على خطّتها لطريقة خروج البلاد من الاتّحاد الأوروبيّ، قائلة إنها قد لا تمر. لذا يظل العمل جاريا على مسألة انسحاب بريطانيا من الاتّحاد الأوروبيّ، حتّى بعد مرور عامين على تصويت البريطانيّين في يونيو/حزيران 2016 على قطع العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة مع الاتحاد.

 

حينها كان كثير من مراقبي الاتّحاد الأوروبيّ متخوّفين من أنّ دولا أخرى قد تحذو حذو بريطانيا لتختار الخروج من الاتّحاد، مما يضعف الكتلة لدرجة الانهيار. وحتى مع العواقب المالية للبريكسيت والتي ستشعر بها القارة كلّها بالتأكيد، فإنّ الدعم الشعبيّ للاتّحاد الأوروبيّ قد يكون أكثر صمودا مما بدا عليه ذات مرّة.

 

كيف وحّد البريكسيت أوروبا؟

تشير أبحاث جديدة إلى أنّ التصويت على خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبيّ عام 2016 كان له في الواقع آثار إيجابيّة على التكامل الأوروبيّ، فقد عزز من شعبيّة الاتّحاد الأوروبيّ. وللمفارقة، كان ترك انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتّحدة أثرا مشابها، كما يشير تحليلنا لاستطلاعات الرأي. توقع الكثيرون أن يَزيدَ كِلا الحدثَين الكارثيَّين من الانقسامات السياسيّة في أوروبا، عبر تمكين المعادين القوميّين للاتّحاد الأوروبيّ. على العكس من ذلك، أصبحت مشاعر الأوروبيّين تجاه الاتّحاد الأوروبيّ، بعد البريكسيت، أكثر إيجابيّة وتأييدا، حسبما تشير استطلاعات أجراها مركز بيو للأبحاث ومؤسسة برتلسمان والمفوضيّة الأوروبيّة.

 

    

فحسب استطلاعات "Eurobarometer" التي تجريها المفوضيّة الأوروبيّة، على سبيل المثال، قال 32٪ فقط من الأوربيّين في خريف 2015 إنّهم "يثقون" في الاتّحاد الأوروبيّ. بعد عام واحد، وبعد استفتاء البريكسيت، ارتفعت النسبة بأربعة في المئة لتصل إلى 36٪. وبعد 6 أشهر أخرى، قال 42٪ من الأوروبيّين إنهم يثقون في الاتّحاد الأوروبيّ. تشير مجموعتا الاستطلاعات الأُخريان إلى تأثيرات إيجابيّة مشابهة للبريكسيت على التأييد الذي يحظى به الاتّحاد الأوروبيّ.

 

تعتقد كاترين دي فريس، مؤلّفة الدراسة التي أجرتها مؤسسة برتلسمان، أنّ الشعبية المتزايدة للاتّحاد الأوروبيّ قد تكون ردّ فعل منطقيّا على التكاليف الاقتصاديّة والسياسيّة المتصوّرة للخروج من الاتّحاد. تشير أرقام حديثة إلى أنّ الناتج المحليّ الإجماليّ البريطانيّ قد ينكمش بنسبة 4٪ خلال الأعوام الخمسة عشر القادمة، وهو ما قد ينتج عنه فقدان البعض لوظائفهم في كافة أنحاء المملكة المتّحدة. ستفقد المملكة المتحدة كذلك حقها في تقرير الشؤون السياسيّة للاتحاد الأوروبيّ؛ ومنها قرارات ستؤثر على البلاد رغما عنها، لأنّ بريطانيا تظلّ جزءا من أوروبا وإنْ لم تكن عضوا في الاتّحاد الأوروبيّ. فعلى سبيل المثال، تخوض بريطانيا والاتحاد الأوروبي حاليا مفاوضات ساخنة حول كيفيّة تأمين حدود مقاطعة أيرلندا الشماليّة مع جمهوريّة أيرلندا.

 

تأثير ترامب

كان للنصر الانتخابيّ غير المتوقع لدونالد ترامب أثر إيجابيّ مشابه على التأييد الذي يحظى به الاتّحاد الأوروبيّ، كما تكشف دراستنا الجديدة لبيانات استطلاعات الرأي في القارة. وعند مقارنتنا لاستطلاعات "Eurobarometer" التي جرَت في الدول الأعضاء بالاتّحاد الأوروبيّ خلال الأيام الأربعة التي سبقت الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في 2016 وكذلك خلال الأيام الستّة التي أعقبتها، وجدنا أنّ الأوروبيّين كان شعورهم تجاه الاتّحاد الأوروبيّ أفضل عقب انتخاب ترامب.

 

سُئل أكثر من 27 ألف شخص من 28 دولة إذا ما كانوا يوافقون -ومدى تأييدهم إن وافقوا- على شعارات مثل "الاتّحاد الأوروبيّ مؤسسة حديثة" و"الاتحاد الأوروبي كفء" و"الاتحاد الأوروبي يقوم بخلق فرص عمل" وغيرها من العبارات الشبيهة. كثير من الأوروبيّين إمّا أجابوا بإيجابيّة عن تلك الأسئلة، وإما شعروا بثقة أكبر في موقفهم المؤيّد للاتّحاد الأوربيّ بعد انتخاب ترامب.

 

    

قبل الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، أظهرت استطلاعات "Eurobarometer" أنّ التأييد الذي حظي به الاتحاد الأوروبيّ كان أقوى في أوساط من عرّفوا بأنفسهم بأنهم ينتمون لتيّار الوسط السياسيّ، ومتوسّطا بين اليساريّين، وضئيلا في أوساط اليمينيّين. وبعد الانتخابات، ارتفع دعم اليمين للاتحاد الأوروبيّ ارتفاعا كبيرا. في الواقع، التفّ المحافظون الأوروبيّون حول الاتّحاد الأوروبيّ بقوّة بعد فوز ترامب لدرجة أنّهم صار لديهم شعور أكثر إيجابيّة تجاه الاتّحاد مما لدى اليساريّين، وتقريبا على قدم المساواة مع الوسطيّين.

 

دفاع يمينيّ عن الوحدة الأوروبيّة

هذا تحوّل ملحوظ في المشهد السياسيّ للاتّحاد الأوروبيّ. قبل عام 2016، كان التكامل الأوروبيّ في الغالب موقفا كوزموبوليتانيّ أو ليبراليا نخبويا. وهو الموقف الذي استخدمته الحملاتُ المؤيّدة لخروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبيّ والشعبويّون الأوروبيّون اليمينيّون حجة لانتقاد الاتحاد. رغم عدم استطاعتنا الجزم بأيّ أسباب منطقية لهذا الدعم اليمينيّ الجديد للاتّحاد الأوروبيّ، فإنّ تحليلنا يُشير إلى أنّ المحافظين الأوروبيّين لم يسلكوا فجأة منعطفا يساريا حادا في أعقاب انتخاب ترامب.

 

الأرجح أن المحافظين الأوروبيّين التفوا حول الاتّحاد الأوروبيّ استجابة لتهديد خارجي متصوّر هو قدوم رئيس أميركيّ جديد يضع "أميركا أوّلا". ربّما أدى هجوم ترامب على الاتّحاد الأوروبيّ والقادة الأوروبيّين إلى تغيير مفاهيم نحن والآخر في عقول اليمينيّين الأوروبيّين، حيث صارت أوروبا الآن تشعر بأنّها مجتمع أو "أمّة" بحاجة إلى الحماية. ربّما يتصوّر المحافظون إعادة تشكيل الاتحاد على نمط ترامب أو البريكسيت، ليصبح قوّة منغلقة تتوخّى المصلحة الذاتيّة، وتكون قادرة على منافسة أميركا في ظلّ ترامب وغيرها من القوى العالميّة.

 

أوروبا ستتجاوز البريكسيت

هل ولّد انتخاب ترامب أو البريكسيت بعضَ النماذج الجديدة من "القوميّة الأوروبيّة"؟ أم أدى بكل بساطة إلى تسليط الضوء على المنافع الماليّة والاقتصاديّة لعضويّة الاتّحاد الأوروبيّ؟ لا نعرف على وجه الدقّة. ربّما اجتمع الأمران لتوسيع وإعادة تشكيل الوحدة الأوروبيّة. كيفية حدوث ذلك يمكن أن تكون مادّة خصبة لأبحاث مستقبليّة يجريها علماء النفس وعلماء السياسة.

 

    

رغم حداثة النتائج التي توصلنا لها، فإنها قد تكون مطمئنة لأولئك الذين يتخوّفون من تفكّك الاتّحاد الأوروبيّ بعد البريكسيت. إذا ما خرجت بريطانيا فعلا من الاتّحاد الأوروبيّ، فمن المرجّح أن يحدث حينها تأثير مشابه. ليس من الواضح بعد إذا ما كانت المشاعر الجيّدة تجاه التكامل الأوروبيّ ستستمر، وما تعنيه هذه المشاعر لمستقبل الاتّحاد.

 

تأثير ترامب في أوروبا

استطلع باحثون آراء 27705 أشخاص في الاتّحاد الأوروبيّ خلال الأيام الأربعة التي سبقت الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة وخلال الأيام الستّة التي أعقبتها. بعد الانتخابات، عبَّر المشاركون من كافّة الأطياف السياسيّة عن مزيد من التأييد للاتّحاد الأوروبيّ. كانت أكبر زيادة في أوساط اليمين السياسيّ. تشير الأسهم أدناه إلى كيفية تغيّر مستوى التأييد الذي حظي به الاتّحاد الأوروبيّ بعد الانتخابات. كلما ازدادت المشاعر الإيجابية نحوه ارتفعت الأرقام.

———————————————————————–

ترجمة (فريق الترجمة)

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة