شعار قسم ميدان

روبرت مولر.. ماذا تعرف عن الموظف الوحيد الذي يخشاه ترامب؟

midan - رئيسية مولر0
اضغط للاستماع

   

لا يجلب العام 1968 على الأرجح أي ذكريات سعيدة للجيل الأميركي الذي عاصره شابا، فهو العام الذي شهد ذروة الحرب الأميركية في فيتنام، والمعارك المرتبطة بهجوم "تيت" الذي شنّه شيوعيّو شمال فيتنام في (يناير/كانون الثاني) منه شاهدا أسوأ خسائر عرفها الجيش الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا الحالي. ولم يكن هناك خبر آنذاك أسعد من الحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية لتفادي جحيم فيتنام، وكان عادة(1) ما يصدر لأسباب طبية يعتمد اقتناع الطبيب بها أحيانا على المتقدّم بها وصلاته وأسرته.

  

كان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" أحد شباب تلك الفترة، وحالفه الحظ كغيره من أبناء العائلات الثرية باستخدام صلات أسرته لتفادي الخدمة العسكرية، وحصل في عام الجحيم الفيتنامي نفسه على إعفاء(2) نهائي بشهادة طبية معللا ذلك بظهور نابتة عظمية في أسفل قدميه، رُغم لياقته طبيا طبقا لتقرير آخر قبل ذلك بشهرين، وهي قضية أثارت الكثير من اللغط حوله أثناء حملته الانتخابية الرئاسية قبل ثلاثة أعوام.

 

لم تكن عائلة "روبرت مولر"، المدعي العام السابق ورئيس جهاز المباحث الفيدرالية (FBI) بين عامي 2001 و2013، والذي يكبر ترامب بعامين فقط، لم تكن مختلفة جذريا عن عائلة "ترامب"، فقد انتمى(3) مولر لعائلة ثرية تقطن مدينة نيويورك، وهي عائلة امتلكت القدرة على تمكينه من تفادي الخدمة العسكرية إن أراد ذلك، بيد أن "مولر"، الشاب المحافظ ذا القيم الجمهورية والمسيحية التقليدية، وقف آنذاك على الناحية الأخرى تماما للكثير من الشباب الأميركيين الأثرياء، إذ تطوّع بنفسه للمشاركة في حرب فيتنام، بل وأصر على الذهاب إلى هناك بعد أن أعلن التقييم الطبي عن عدم لياقته للخدمة عام 1967 لوجود إصابة بركبته، لينتظر بضعة أشهر حتى إتمام شفائه ثم يلتحقَ بالتدريبات العسكرية لثمانية أشهر امتدت حتى صيف 1968.

   

"روبرت مولر"   (رويترز)   

     

لم تكن حرب فيتنام فقط هي التي وضعت ترامب ومولر في موقفين مغايرين تماما، فقد انفتح ملف آخر بعد خمسين عاما وضع الرجلين فعليا وجها لوجه وبإحدى أشرس الوسائل الممكنة: ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وهي انتخابات أوصلت "ترامب" إلى البيت الأبيض ومعه أسوأ ما يمكن أن يكون في جُعبة رجل أعمال ينتمي للجمهوريين، مظهرا على مدار العامين السابقين ذروة تعجرف رأس المال واضمحلال القيم الجمهورية الأميركية، وهي الانتخابات نفسها التي أوصلت "مولر" على الناحية الأخرى إلى رئاسة لجنة التحقيقات المسؤولة عن النظر في تفاصيل انتخاب ترامب، والشكوك حول علاقات حملته بالروس، ومعه أفضل ما يمكن أن يمتلكه منتمٍ للحزب الجمهوري في هذه المرحلة بالتحديد: إعلاء القيم الجمهورية الكلاسيكية وصلابة الانتماء التقليدي للمعسكر الغربي وإرث معاداته لروسيا، وهو ما حمَّل مولر جزءا من أعبائه بيديه في فيتنام، لتكون المواجهة الثانية ربما هي الأهم في حياة الرجلين على الإطلاق.

 

ابن فيتنام

ما إن وطأ(4) "مولر" أرض فيتنام في نوفمبر/تشرين الثاني 1968 حتى بدأت التساؤلات حيال قدومه للجحيم بقدميه، وسرعان ما انتشرت بين ضباط المارينز في وحدته العسكرية أخبار وصول "شاب ثري" إلى صفوفهم مثيرة العجب والسخرية في آن، فمولر لم يذهب وحسب إلى فيتنام، بل وتطوع في واحدة من الوحدات المعروفة بالـ "بلاتون" من حملة البنادق، وهي وحدات حملت عبء المواجهات الدموية والمباشرة مع جيش الشمال والميليشيات الفيتنامية المقاومة على السواء. لماذا إذن قد يأتي رجل مثله إلى هنا؟ وهل يستطيع بالفعل تحمّل أعباء الحرب وقيادة ضباط أشد بأسا أتى معظمهم من الريف الأميركي وليس من أروقة جامعة بنسلفانيا؟

 

كان على مولر أن يجيب الأسئلة ويتحمل السخرية، وأن يتعلم الكثير ليكسب ثقة ضباط وحدة "البلاتون" قبل أن يتولى قيادتهم خلفا لملازم آخر، وكان الدرس الأهم هو الحفاظ على ثقة وانصياع ضباط المارينز الصغار لقيادته مهما طلب منهم، وأن يمتلك في الوقت نفسه الثقة الكاملة من جانبه فيهم وفي قدراتهم خلال المعركة. ولم يمضِ وقت طويل حتى أظهرت صرامة مولر وتفانيه في آن بأن السخرية التي حظي بها لم تكن في محلها، فقد أظهر(5) بسالة واضحة في معركة امتدت لثماني ساعات في ديسمبر/كانون الأول لعام 1968 تحرك فيها بين رجاله ووجّه تحركاتهم وأشرف على إجلاء كافة الجرحى من ضباط المارينز، وهي معركة خسر فيها ضابطا واحدا فقط، وحاز لأجلها ميدالية النجمة البرونزية.

   

صور أرشيفية من حرب الفيتنام (مواقع التواصل)
صور أرشيفية من حرب الفيتنام (مواقع التواصل)

 

في أبريل/نيسان للعام التالي 1969، خاض "مولر" معركة دموية أخرى حين طُلب منه تقديم المساعدة لـ "بلاتون" آخر تعرض للهجوم، فتقدم هو ورجاله بوجه الرصاص الكثيف للمقاومين الفيتناميين، لينجحوا في النهاية بصد الهجوم دون خسارة في الأرواح بين ضباط مولر، وهي معركة أصيب فيها مولر برصاصة من بندقية كلاشينكوف لم يشعر بها حين اخترقت ساقه مباشرة، بل لفتت نظره بعد دقائق من استقرارها في جسده حين نظر للأسفل لوهلة أثناء المعركة، وحصل بسبب تلك المعركة على ميداليتين أخريين من الجيش الأميركي.

 

بينما تعافى مولر في مشفى تابع للجيش الأميركي بجنوب فيتنام، وشارفت فترة تطوعه على الانتهاء -ستة أشهر- تم تعيينه مساعدا لأحد كبار الضباط في مقر من مقرات القيادة بعيدا عن ساحة المعركة، وسرعان ما عاد إلى الولايات المتحدة ليعمل بإحدى ثكنات المارينز قبل أن يقرر دراسة القانون بجامعة فرجينيا. ولم يجد مولر في بيروقراطية الجيش الأميركي ما يُثير حماسته وعشقه للخدمة العامة كما رأى في فيتنام، ورُغم أنه لم يكن ليدخل بعد ذلك معارك بسخونة فيتنام، فإن عالم القانون والنيابة العامة منحه فرصة أفضل من الجيش ليكون في قلب الأحداث.

   

يحمل مولر سنواته في فيتنام وساما على صدره، ومن ثم فهو لم يتحمس لقضية وقف الحرب والانسحاب من هناك والتي انتشرت في نهاية الستينيات وشكّلت وعي الكثير من شباب الولايات المتحدة لا سيما الديمقراطيين منهم، فقد كان الرجل جمهوريا حتى النخاع ومقدسا للخدمة العسكرية، لكنه كان أشبه بالأجيال الأقدم من الجمهوريين، والتي حرصت على تقاليد النظام الأميركي الجمهوري، وأبعد عمّا تبلور تحت قيادة الرئيس رونالد ريجان والرئيسين بوش الأب والابن فيما بعد، من اتجاه طغت فيه الرأسمالية والثقة الأميركية المتزايدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي على القرار السياسي الحكيم وقيم الجمهورية القديمة التي يعرفونها هناك، وجنح فيه جمهوريون كُثر إلى تجاوز تلك القيم من أجل مصالحهم الحزبية والشخصية في أحيان كثيرة.

  

الرئيس الأمريكي الأربعون، رونالد ريغان (رويترز)
الرئيس الأمريكي الأربعون، رونالد ريغان (رويترز)

   

الجمهوري الصارم

لم يكن مولر أبدا جمهوريَّ مال وأعمال، بل جمهوريَّ انضباط وانتماء للعلم الأميركي كما يحب الجمهوريون القدماء أن يصفوا أنفسهم لغة وفعلا، وهو ما دفعه عام 1995 لترك شركة محاماة خاصة لم يلبث فيها عامين رُغم راتب بلغ 400 ألف دولار سنويا. لقد كره مولر تماما عمله في القطاع الخاص كما يقول "ويلنر"، أحد أصدقائه المقربين: "كره مولر تلك الوظيفة ولم يحتمل فكرة بيع خدماته للدفاع عن أناس قد يكون بعضهم مذنبا"، وعلى عكس جمهوريين كثر، وديمقراطيين أيضا، لم يكن مولر المسؤول الذي يهوى القفز بين المناصب السخية، بل كان كرسي الخدمة العامة كمُدّعٍ هو عشقه الوحيد.

 

تواصل مولر إذن مع أحد المدعين في واشنطن وأبدى اهتمامه بتزايد جرائم القتل فيها ورغبته بالعمل هناك، ليحصل(6) على الوظيفة التي أرادها بالفعل كرئيس قسم جرائم القتل بمكتب المدعي العام، ورُغم حصوله على رُبع راتبه السابق فقط، فإن مولر أمضى أمتع أيام حياته في تلك الوظيفة كما يقول(7) بنفسه في حوار قام به لمجلة قسم القانون بجامعة فرجينيا الذي تخرج فيه: "إنني أعشق كل ما يتعلق بالتحقيقات… أعشق الطب الشرعي والبصمات والأغلفة البلاستيكية التي تحوي الرصاصات وكل ما يشمله ذلك النوع من العمل".

 

عشق مولر شيئا آخر بجانب انضباطه وقيمه الجمهورية، وهو السرية التامة والبُعد عن الأضواء، وهي مرة أخرى سمة نادرة للغاية في غابة السياسة الأميركية التي يهوى فيها المسؤولون عدسات المصورين ربما أكثر من فناني هوليوود، وتضعه بطبيعة الحال على الناحية المضادة لدونالد ترامب، وهو ما عبّر عنه "دنيس سيلور"، النائب السابق لمولر في وزارة العدل الأميركية، بتصريحه لصحيفة "العالم والبريد" أوسع صحف كندا انتشارا، قائلا بأن مولر "يفضّل أن يقطع ساقه اليُمنى قبل أن يرتكب أي فعل غير قانوني، ويفضّل أن يقطع اليُسرى على أن يسرّب أي معلومة".

    

وصل(8) مولر سريعا إلى منصب المدعي العام لمدينة سان فرانسيسكو بكاليفورنيا عام 1998، وفي إشارة للتقدير الذي حصل عليه في صفوف الحزبين وليس في حزبه الجمهوري فقط، كانت النائبة الديمقراطية المرموقة "باربرة بوكسر" حاضرة في مراسم توليه للمنصب، وهي المرة الوحيدة التي حضرت فيها بنفسها مناسبة من هذا النوع. وبعد ثلاثة أعوام، وحين(9) رشّحه جورج بوش لتولي رئاسة جهاز المباحث الفيدرالية، صوّت مجلس الشيوخ على قرار ترشيحه بإجماع جمهوري ديمقراطي كامل ودون صوت معارض واحد، في تصويت نادر لا تراه غرفتا الكابيتول هيل الأميركي كثيرا.

    

النائبة الديمقراطية المرموقة
النائبة الديمقراطية المرموقة "باربرة بوكسر" (رويترز)

 

مولر وبوش

أدى مولر في الرابع من سبتمبر/أيلول لعام 2001 القسم كرئيس لجهاز المباحث الفيدرالية، متعهدا بالعمل على "دعم دستور الولايات المتحدة والدفاع عنه ضد كل أعدائه في الداخل والخارج"، دون أن يعلم في الحقيقة بأن أعداءه سيظهرون بالفعل إلى السطح خلال أسبوع واحد فقط حين وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في مدينة نيويورك، وسيضعون على عاتقه كمًّا هائلا من الأوراق والمهمات لا ينتهي في زمن تحولت فيه واشنطن من محاربة الشيوعية السوفيتية الصلبة إلى محاربة "الإرهاب" الشبكي والسائل.

 

"كان مولر رجلَ مارينز جيدا، فقد كان هادئا جدا تحت النيران"، هكذا يقول عنه بيكارد، نائبه السابق في جهاز المباحث الفيدرالية، وهو هدوء منحه القدرة ليس فقط على تولي المهام المتشعبة والحادة التي تبلورت لجهاز المباحث الفيدرالية خلال رئاسة جورج بوش، بل والقدرة على تركيز بعض الاهتمام -كما أقسم على ذلك عام 2001- ناحية أعداء الدستور الأميركي في الداخل في الوقت نفسه، وهو ما وضعه في موقع الاصطدام مع إدارة جورج بوش خلال سنوات قليلة، وجعله يهدد بالاستقالة من منصبه.

    

في مارس/آذار لعام 2004، وبينما شرع(10) البيت الأبيض في الضغط على المدعي العام "جون أشكروفت" للتوقيع على قرار تمديد برنامج المراقبة المحلي السري رُغم علم المسؤولين بمعارضته لذلك، قرر نائبه جيمس كومي أن يستعين بمولر لتعزيز موقع أشكروفت (في 2013 سيخلف كومي مولر في منصبه على رأس المباحث الفيدرالية قبل أن يقوم ترامب بعزله في 2017). وقرر البيت الأبيض وقتها خلال أيام المُضي قُدما في البرنامج دون موافقة أشكروفت، وسرعان ما اندلعت معركة بين وزارة العدل والبيت الأبيض انتهت بتهديد مولر ومجموعة من المسؤولين باستقالتهم تمسكا برأيهم بعدم شرعية البرنامج، مما دفع بوش إلى التفاوض مع مولر وكومي، ليُجبر الرئيس في النهاية على إعادة هيكلة برنامج المراقبة.

   

 
 "جون أشكروفت"  (رويترز)

 

لم تكن تلك المرة الوحيدة التي اصطدم فيها مولر ببوش الابن، حيث فتحت المباحث الفيدرالية تحت رئاسته تحقيقا حول جيفرسون، عضو ديمقراطي بالكونغرس، تلقى رشاوى ضخمة مقابل الترويج لصفقات تجارية في أفريقيا، ومن ثم حصلت المباحث على أمر قضائي بتفتيش مكتبه وحيازة الوثائق الموجودة فيه. كانت تلك أول مرة في تاريخ الولايات المتحدة تقوم فيها المباحث الفيدرالية بتحرك كهذا حيال عضو بالكونغرس، وما لبثت المعركة أن اندلعت مجددا بين الكونغرس والبيت الأبيض من ناحية، والجهاز من ناحية مقابلة، مع مطالبات بأن تعود الوثائق إلى صاحبها.

 

هادئا تحت النيران كعادته، رفض مولر وهدد بالاستقالة متهما عضو الكونغرس بإخفاء الأدلة، حتى تراجع البيت الأبيض في الأخير، وتوصل الطرفان لاتفاق يُبقي الوثائق قيد السرية لشهر ونصف بعيدا عن ضجيج الإعلام. وبينما أخذت التحقيقات مجراها تحت رئاسة مولر، أُدين جيفرسون في عدة قضايا فساد بالفعل وحصل على حكم بالسجن 13 عاما تنتهي عام 2023.

    

المهمة الأخيرة

انتهت رحلة مولر في المباحث الفيدرالية عام 2013، وقد تقاعد الرجل بعد ذلك وانتهى به الأمر شريكا في إحدى شركات المحاماة التي لم يحبَّها أبدا، بيد أن مهمة أخيرة طرقت أبوابه وقد جاوز السبعين من العُمر، وكأن قدره يأبى إلا وأن يمنحه فرصة أخرى لممارسة عمله المفضل في التحقيقات العامة، وهذه المرةَ في مواجهة رئيس جمهوري أكثر جدلا وأشد اصطداما بقيمه التقليدية من جورج بوش، بل ورئيس متهم بالضلوع في تفاهمات مع الدب الروسي الذي شكّل العداء معه معظم سنوات مولر، لا سيما في فيتنام، ويُشكّل معظم تراث العداء مع الأميركيين أنفسهم، وبالطبع مع معظم شبكة المؤسسات الأميركية إن لم يكن كلها.

 

في مايو/أيار 2017، قام(11) نائب المدعي العام رود روزنشتاين بتعيين مولر كمستشار خاص للإشراف على التحقيق في تدخّل روسيا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وخلال عام واحد فقط، أصدر(12) مولر لائحة اتهام مفصلة تشمل 12 ضابطا من المخابرات العسكرية الروسية، وجمع كمًّا هائلا من المعلومات عن عشرات في حملة ترامب أثارت دهشة الجميع، بما فيهم العضو الديمقراطي بلجنة الاستخبارات بالكونغرس "مارك ورنر"، والذي تفاجأ من كمية المعلومات التي يعرفها مولر بعد عام من التحقيق لم يكن هو ولجنته يعرفان عنها شيئا، كما غرد بذلك مراسل شبكة السي إن إن الرئيس للكابيتول هيل "مانو راجو".

     

 

أسفرت(13) تحقيقات مولر حتى الآن عن سجن مايكل كوهين، محامي ترامب السابق، لمدة ثلاث سنوات بعد أن أثبت دفعه رشاوى لسيدات أقام ترامب علاقات غير شرعية معهن في وقت سابق مقابل صمتهن، بالإضافة إلى إثبات تواصله مع روس أثناء الحملة الانتخابية، وكانت الضربة الأحدث بالأمس حين أُثبت أن رئيس حملة ترامب الانتخابية ومعاونه السابق المقرب "بول مانافورت" قد سلم معلومات داخلية متعلقة بالانتخابات الرئاسية الأخيرة مع "كونستانتين كيليمنك"، الرجل الذي يرجح ارتباطه بالاستخبارات الروسية.

    

لا يزال مولر على الأرجح يملك في جعبته الكثير هذا العام، لا سيّما وأن وجود كونغرس ذي غالبية ديمقراطية سيمنحه مساحة أوسع للحركة، رُغم انتماء مولر الجمهوري، بيد أنه لم يصرح للإعلام بأي كلمة حتى الآن كعادته عن التحقيق الأكثر جدلا إعلاميا في تاريخه الطويل.

 

سيكون العالم على موعد خلال 2019 مع مزيد من ملفات مولر، بدءا من إريك برينس مؤسس شركة بلاكووتر، الذي يملك(14) مولر حاليا تسجيلات هاتفه كما أعلن منذ أيام قليلة، وكان قد سافر إلى جزر سيشل قبل تنصيب ترامب للقاء مسؤول بالكرملين، مرورا ربما بالوصول لأدلة فعالة بشأن دور(15) السفارة الروسية وسفيرها السابق وعلاقاته بالحزب الجمهوري لا سيما ملف الأموال التي أنفقتها السفارة خلال حملة ترامب، وصولا لإكمال فحص وتحليل أكثر من ربع(16) مليون دليل حصل عليها مولر من مكتب كوهين بحلول منتصف العام الماضي، وما يمكن أن تحويه وحدها من معلومات وخيوط جديدة، علاوة على اقتراح كوهين نفسه بالتعاون مع المحققين، وهو التوجه الذي يثير حفيظة ترامب دوما على ما يبدو، والذي لا يتوقف عن مهاجمة محاميه السابق ونعته بـ "الكاذب" في كل فرصة ممكنة.

 

وحيدا إذن يجلس ترامب بعد أن خسر الكونغرس ويستمر في خسارة رجاله من حوله، الرئيس الأميركي الذي قال(17) قبل نحو عشرين عاما بأنه -أي ترامب- يستحق ميدالية الشرف الخاصة بالكونغرس على شجاعته في خوض علاقات نسائية طويلة دون أن يصاب بأي أمراض خطيرة، واصفا المغامرات النسائية بأنها "فيتنام الخاصة به"، بل وأنها "قتلت من الرجال أكثر مما قتلت فيتنام نفسها".

 

    

في الوقت نفسه، يواجه سيد فيتنام النسائية محاربا قديما خاض أسوأ سنوات فيتنام العسكرية، وأكثر معارك الجيش الأميركي دموية منذ الحرب العالمية الثانية، وسيبقى أن تكشف الأيام ما إن كان بطل فيتنام النسائية قادرا على الإفلات من بطل فيتنام الحقيقية كما أفلت من نزواته السابقة، أم إن نزوته السياسية الأخيرة المرجحة مع الروس أكثر تعقيدا من أن يفلت منها، ومن قبضة رجل يُمثّل قلة قليلة من رجال الجمهوريين لا تزال قيم الجمهورية -لا قيم المال والإعلام- بوصلتها الرئيسة قبل كل شيء.

المصدر : الجزيرة