شعار قسم ميدان

"حزب الله" في مواجهة اللبنانيين.. مَن ينتصر؟

ميدان - حزب الله في مواجهة اللينانين
اضغط للاستماع

   

في لبنان، وعندما يأتي ذكر اسم "حزب الله"، فإن ذاكرة اللبنانيين الجامعة يمكنها استرجاع كمٍّ هائل من الحوادث والمواقف السياسية والعسكرية والاجتماعية لما يمكن اعتباره -بشكل فعلي غير رسمي- أقوى مؤسسة موجودة على الأراضي اللبنانية، مؤسسة أعادت(1) تشكيل لبنان حولها بعد انتهاء الحرب الأهلية الدموية عام 1990 لتتحوّل خلال قرابة ثلاثة عقود، وبشكل فعلي أيضا، من مجرد ميليشيا مسلحة إلى كيان أشبه بوزارة دفاع لها جيش نظامي لدولة صغيرة، لكن تلك الذاكرة يمكنها على الأرجح التركيز على قائمة قصيرة من الصدامات الكبرى في تلك الفترة، وفي القلب منها ما تم تزامنا مع اندلاع الربيع العربي أواخر عام 2010 وأوائل العام التالي 2011.

  

فمع اندلاع الربيع في تونس ومصر بالأخص كموجة أولى، كان لتلك الموجة بطبيعة الحال أن تمتد للأراضي اللبنانية، وبدأ ذلك في الحدوث في يناير/كانون الثاني الشهير لـ 2011 عندما نجح "حزب الله" في إسقاط حكومة رئيس الوزراء "سعد الحريري" بعد انسحاب وزراء وحلفاء الحزب من الحكومة واستقالتهم بشكل متتابع وشبه جماعي، وقد أتى تحرك الحزب على خلفية توسيع محكمة العدل الدولية لقائمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء التاريخي "رفيق الحريري"، وتصاعد الاتجاه المؤدي لوضع "حزب الله" على رأس تلك القائمة.

    

لكن ما يعلق بذاكرة اللبنانيين وقيادات الحزب على الأرجح حدث في تظاهرة مارس/آذار العارمة للعام نفسه، والتي خرج فيها عشرات الآلاف من اللبنانيين بقيادة تحالف 14 آذار -في ذكرى انتفاضة الاستقلال السادسة- متظاهرين في وسط العاصمة بيروت ومطالبين بـ "نزع سلاح حزب الله" بشكل كامل ووضعه تحت تصرف الجيش اللبناني، ومهاجمين الحزب باعتباره "ذراعا إيرانيا خالصا غير لبناني"، ورافعين شعارات كان في القلب منها "لا للدولة داخل الدولة"، في إشارة شديدة الوضوح إلى نفوذ الحزب المتزايد في تلك الفترة.

      

أنصار سعد الحريري يحملون صورته خلال ما أسموه بـ
أنصار سعد الحريري يحملون صورته خلال ما أسموه بـ "يوم الغضب" ضد ترشيح نجيب ميقاتي المدعوم من حزب الله لتشكيل الحكومة عام 2011 (رويترز)

   

ورغم أن تلك المظاهرات قد أيّدها رئيس حكومة تصريف الأعمال وقتها "سعد الحريري" المُطاح به، وقوى 14 آذار أيضا، ورغم حصولها على غطاء شعبي، فإنها كانت احتجاجات قصيرة المدى، وقد راهنت قيادات حزب الله على ما يبدو على أنها تظاهرات سريعة التطاير ستنتهي بقبول الأمر الواقع المتمثِّل في حكومة يترأسها رئيس وزراء مدعوم من الحزب، وهو ما حدث بالفعل بعد أقل من ثلاثة أشهر عندما تولى "نجيب ميقاتي" رئاسة الحكومة الجديدة، معلنا بشكل عملي انتهاء مطالبات "نزع السلاح" النادرة بهذا الحجم لفترة ليست بالقصيرة.

  

تبرز هذه الحادثة، ضمن أخريات ليست بالكثيرة­­، ضمن ما يمكن وصفه بسياق نادر من توجّه الغضب الشعبي أيًّا كانت أسبابه وفترته تجاه صدر الحزب وبعض قياداته، سياق لطالما استثنى "حسن نصر الله" كقائد تاريخي ما زال حتى الآن يحظى بإجماع الطائفة الشيعية وتمتد شعبيته لخارج لدوائر شعبية غير شيعية أيضا، وهو إجماع تعضّده شبكة تحالفات خارج البطانة الشيعية ما زالت تسمح للحزب حتى الآن بالصمود وامتصاص معظم الاحتجاجات الشعبية اللبنانية، لكن الإجماع والتحالفات ربما يواجهان قريبا ما يفوقهما قوة إن استمرت الاحتجاجات في التوسع والتصاعد، وهي مواجهة إن حدثت فستتحدّى مكانة الحزب في قلب العملية السياسية اللبنانية، وستتضاءل معها خياراته لتصل ربما إلى ما لا يحب اللبنانيون أن يروه وهو التلويح بالقوة والانتشار العسكريين، أو ما يعرفونه بالمصطلح الشهير "القمصان السوداء".

   

حسن نصر الله (رويترز)
حسن نصر الله (رويترز)

   

السلاح في وجه اللبنانيين

"وضعنا نظاما عسكريا للدفاع عن قُرانا وبلداتنا ومدننا.. وخططا عسكرية للدفاع عن أرضنا وثرواتنا". حين وقف "نصر الله" قائلا جملته السابقة ضمن خطابه الشهير على منصة إحياء الذكرى الـ 13 لحرب تموز أو الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، كانت الحشود أمامه في بلدة بنت جبيل الجنوبية مقتنعة لأقصى حدٍّ بأن الحزب يوجّه جهده العسكري وكذلك الاستخباراتي ضد إسرائيل في المقام الأول والأخير، وأن توجيه السلاح ناحية اللبنانيين أو فرض أمر واقع يناسب أجندة الحزب بالقوة لا مكان له في سياسته وخط أحمر.

  

لكن بالعودة إلى الأيام الأولى التي وضعت فيها الحرب أوزارها، وتحديدا يوم 14 أغسطس/آب من عام العدوان الإسرائيلي، نجد أن الحزب انطلق مباشرة مع ترويجه للنصر على إسرائيل نحو إنشاء شبكة اتصالات داخلية ضخمة، وأتت تلك الشبكة تحت غطاء إنشائه لشبكة طرق جديدة في إطار عملية إعادة إعمار المناطق اللبنانية، وقد مُوِّلت تلك الشبكة من لدن الصندوق الإيراني لإعادة إعمار لبنان، وامتدت في أحياء لبنانية ينحدر سكانها من جذور متنوعة، كأن تمر في منطقة الهرمل في البقاع، ومنطقتي جبيل وكسروان في عمق جبل لبنان ذي الغالبية المسيحية، أو مخيمات اللجوء الفلسطيني، وفي مناطق الحاضنة الشعبية والعسكرية للحزب بطبيعة الحال.

  

وبعد عامين من إنشائها اكتشفتها الحكومة اللبنانية فقررت في مايو/أيار لعام 2008 تفكيكها بشكل كامل معتبرة إياها بكلمات رسمية "غير شرعية وغير قانونية وتُشكِّل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام"، وكذلك تمت إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد "وفيق شقير" المحسوب على حزب الله أيضا، وحين اتخذت تلك القرارات أدرك الجميع أن الحزب الذي يعتبر الشبكة جزءا رئيسا من ترسانته سيرد بقوة، أما وزير الاتصالات اللبناني آنذاك "مروان حمادة" فقد كان أكثر دقة متوقعا أن الحزب سيعتبر أي إجراء ضد شبكة اتصالاته أمرا "مساويا لعمل عدواني إسرائيلي" حد تعبيره.

    

استخدم حزب الله سطوة السلاح عندما خرج المئات من عناصره مرتدين اللباس الأسود بُغية إجبار
استخدم حزب الله سطوة السلاح عندما خرج المئات من عناصره مرتدين اللباس الأسود بُغية إجبار "وليد جنبلاط" على القبول بتكليف "نجيب ميقاتي" لرئاسة الحكومة بدلا من الحريري
   

كان توقع وزير الاتصالات أقرب للصواب عكس قناعات الحشود الشعبية المؤيدة للحزب، وبالفعل لم تمضِ أكثر من 24 ساعة على القرارات الحكومية السابقة حتى بدأت عناصر "حزب الله" ومؤيدوه باستعراض قوتهم في شوارع البلاد، وقطعوا الطرق المؤدية إلى الموانئ البحرية والجوية بالإطارات المشتعلة والكتل الخرسانية، واشتعلت بذلك الشرارة الأولى نحو معركة حامية الوطيس، حيث لم يتوانَ عناصر الحزب عن تبادل إطلاق الرصاص وإلقاء القنابل اليدوية مع عناصر الأمن اللبنانية في أحياء نويري ورأس النبع ووسيط المصيطبة في بيروت.

  

إذن استخدم "حزب الله" السلاح في الداخل اللبناني، وقتل بذلك السلاح 100 مدني لبناني، واستولى الحزب عسكريا على مساحات شاسعة من العاصمة، وقد أسست تلك الأحداث المميتة في أذهان اللبنانيين حقيقة أن حزب الله يمكنه توجيه السلاح للداخل حال كان هناك تهديد حقيقي لأيٍّ مما يعتبره خطوطا حمراء لا يمكن العبث معها أو محاولة تغييرها حتى من قِبل النظام اللبناني نفسه، وقد رسخت هذه الحقيقة نفسها بعد ثلاث سنوات بتكرار استخدام الحزب لسطوة السلاح عندما خرج المئات من عناصره مرتدين اللباس الأسود في شوارع بيروت بُغية إجبار القيادي الدرزي "وليد جنبلاط" على القبول بتكليف "نجيب ميقاتي" لرئاسة الحكومة بدلا من سعد الحريري، وهو ما تم في الأخير كما ذكرنا.

  

على مدى العقد الماضي على أقل تقدير، استخدم حزب الله القوة بشكل محسوب لصناعة واقع سياسي يضمن مصالحه السياسية والعسكرية، وأهمها استخدام البلاد كقاعدة عسكرية قوية في حرب الوكالة ضد فصائل المعارضة السورية فضلا عن تدخّله المباشر هناك، لكنه آثر أن يكون هادئا في بداية الاحتجاجات الشعبية اللبنانية المندلعة في 17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي للمطالبة بإنهاء حكم النخبة السياسية، وفي بداية الاحتجاجات ألقى نصر الله ثلاثة خطابات في أسبوعين فقط -من 15 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم وحتى 1 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- في حدث نادر، وقد حملت تلك الخطابات لهجات متباينة بالكلية.

  

ففي أولهم، منتصف أكتوبر/تشرين الأول، حاول نصر الله تحييد المظاهرات محذّرا من حرب أهلية، وكذلك وصم(2) الاحتجاجات بأنها مؤامرة أجنبية معادية، ومضيفا أنه لن يقبل استقالة الحكومة أو الرئيس وأنه "لا لإسقاط العهد"، أما في خطابه الثاني في الخامس والعشرين من الشهر نفسه فكان أكثر تفهّما قائلا إنه "يحترم الحراك" ويراه شعبيا وغير طائفي، مضيفا أن المحتجين يمكنهم أن يتظاهروا كما يشاؤون لكن حزب الله لا يمكن أن يشاركهم لئلا يتم وصم الاحتجاجات بكونها من لدن الحزب، وقد كان ذلك توجها محسوبا ومنطقيا من "نصر الله" الذي حاول على مدار خطاباته فصل الحزب تماما عن الحكومة والنظام اللبنانيين وتوضيح أنه مقاومة لا غنى عنها وتتبنى مطالب المحتجين الرئيسة، أما في الثالث فقد كانت لهجته تتقبل الأمر الواقع بعد سقوط العهد واستقالة الحريري وحكومته بفعل الضغوط الشعبية، قائلا إنه لا يوافق على الاستقالة لكن "الحريري له أسبابه التي لا أريد أن أناقشها" حد تعبيره، ومحاولا أن ينأى بنفسه وبالحزب عن تصريحاته السابقة بخصوص المؤامرات الخارجية، وداعيا للإصلاح السياسي السريع عن طريق تشكيل حكومة بأقرب وقت مع اعتماد الحوار السياسي بين الأطياف المختلفة كطريق أمثل لتحقيق مطالب الانتفاضة اللبنانية.

     

   

في الخطاب الثالث أول نوفمبر/تشرين الثاني، ركّز "نصر الله" أكثر من مرة على قوة "المقاومة"، وتمثّلت محاولته لفصل الحزب عن الدولة بشكل مباشر تماما عندما قال إن الدولة يُمكنها أن تنهار وتتوقف عن دفع معاشات موظفيها، لكنّ المقاومة ستبقى قوية وقادرة على دفع المعاشات، إلا أن الكلمات التي اعتبرها البعض إشارة مبطنة وتلويحا شبه واضح لاستخدام قوة الحزب العسكرية داخليا كانت عندما قال إنه "لم يأتِ زمان على المقاومة في لبنان وكانت فيه بمثل هذه القوة، وحزب الله لم يتصرّف بأيٍّ من أوراق قوته حتى الآن"، وهي عبارة ربما تحتمل الكثير من الأوجه، لكن ذاكرة اللبنانيين في النهاية لا تنسى على ما يبدو التجارب السابقة أبدا.

   

انتخابات مبكرة أم حكومة تكنوقراطية؟

منذ حقق "حزب الله"، أقوى مدافع عن النخبة الحالية، أكبر مكاسبه السياسية إثر اكتساحه الانتخابات اللبنانية في مايو/أيار للعام الماضي 2018، كان حريصا جدا على عدم انهيار نظام المحاصصة الطائفي الشهير لكونه بشكل ما نظاما يُجنّب لبنان العزلة الدولية التي تُفرض تدريجيا على البلاد بسبب ما يؤدّيه الحزب من تدخلات أمنية وعسكرية خارج لبنان خاصة في سوريا، وأيضا لاندماجه على أفضل الأحوال مع أجندة السياسة الإيرانية التي تتصادم بشكل مباشر مع الدول الغربية وكذلك الخليجية، وهي في الغالب دول يرتكز الاقتصاد اللبناني الضعيف بشكل كامل على مساعداتها المالية.

  

ومع بدء احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضغط الحزب لأقصى درجة على الأرجح على رفاقه في الطبقة الحاكمة لعدم الاستسلام لمطالب المحتجين وإضاعة البوصلة السياسية القائمة في البلاد، وهي بوصلة يرى المحتجون أنها تسبّبت في خلق منظومة الفساد في لبنان، وقد نجح الحزب لأيام ليست بالطويلة في الضغط على "الحريري" للإحجام عن قراره بالاستجابة للحراك وإعلان استقالته، لكن مع زيادة وتيرة الأحداث كما ذكرنا أعلن الأخيرة استقالته في التاسع والعشرين من الشهر نفسه أكتوبر/تشرين الأول، تاركا(3) حزب الله أمام خيارات محدودة جدا لإيجاد بديل يمكن المراهنة عليه في إنقاذ الوضع السياسي وعدم تسييله بشكل أكبر ربما يجعل الحزب في فترة قصيرة في مواجهة المحتجين وبالتالي الساحة الدولية بشكل مباشر.

     

  

لذا وبعد استقالة الحريري الذي يتمتع بمصداقية دولية كبيرة ودعم أوروبي وافر، حضر خيار تشكيل حكومة(4) تكنوقراطية في الصدارة كطريق سريع للخروج من الأزمة، وبشروط فرضها المتظاهرون في شوارع بيروت وطرابلس وصور وغيرها من المدن اللبنانية المنتفضة، أولها ألا يكون قائد تلك الحكومة محسوبا على حزب الله أو النخبة السياسية الحالية، ويقضي ذلك الشرط بإزالة عهد حليف حزب الله في الحكم رئيس الجمهورية العماد "ميشال عون" ورحيله، وهو مَن يُحمّله اللبنانيون مسؤولية انهيار الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان.

  

وبرغم أن الحزب قد لا يعارض تشكيل حكومة تكنوقراطية، فإنه على الأرجح سيُعارض أن تفتقد تلك الحكومة لمرشحين موالين له يحافظون على مصالحه، وحتى لو تمتعت الحكومة القادمة بدعم كامل من الفصائل والطبقة الحاكمة في لبنان، فإن الحزب كقوة نافذة لن يتنازل عن أوراقه الضاغطة لتحقيق أهدافه من تلك الحكومة، فضلا عن أنه سينظر لما تفرضه الأجندة الأميركية في لبنان على تلك الحكومة التكنوقراطية في حال شُكِّلت بعيدا عن قبضته، وهي أجندة تقضي برغبة واشنطن المُلِحّة وشبه الدائمة بطرد الحزب من الائتلاف الحاكم اللبناني وتهميش الحركة السياسية العسكرية الشيعية كوسيلة لإضعاف إيران.

  

وفي السياق ذاته، يحضر أيضا خيار أن يتحول(5) الحراك إلى حركة سياسية منظمة تتمكّن بالفعل من تغيير الحكومة، وتفرض إجراء انتخابات مبكرة أمام الحزب وغيره من الطبقة السياسية اللبنانية، وإلى حدٍّ كبير ستكون تلك الانتخابات المبكرة فرصة للحركة الاحتجاجية التي تضم قطاعات واسعة من المجتمع المدني اللبناني لبناء أحزاب سياسية متنافسة تحقق مطالب اللبنانيين، ويبقى هذا الخيار مُقلقا بطبيعة الحال لحزب الله والنظام الطائفي لأنهم في الوقت الحالي كأي طرف آخر عُرضة للاتهامات الشعبية الغاضبة بالفساد والتي قد تُثير تحديات جديدة لهم في صناديق الاقتراع لأي انتخابات قادمة.

     

إن لم يكن هناك احتواء سياسي سريع للأزمة من قِبل الطبقة السياسية وأولهم حزب الله بطبيعة الحال، فإن لبنان كعادته سيواجه خطر الاشتباكات المسلحة
إن لم يكن هناك احتواء سياسي سريع للأزمة من قِبل الطبقة السياسية وأولهم حزب الله بطبيعة الحال، فإن لبنان كعادته سيواجه خطر الاشتباكات المسلحة
   

وكما يقول(6) باحث مركز كارنيجي للشرق الأوسط "مايكل يونغ" فإن حزب الله لديه خيار واحد يمكنه من خلاله أن يقبل أن الأرض آخذة في التغير وأن ما حدث ليس مؤامرة ضده، وهو أن يصادق على حكومة إنقاذ وطني جديدة وإجراء انتخابات مبكرة كما طالب المتظاهرون، أو -وهو المرجح كما يقول "يونغ"- سيواصل الحزب تبني موقف "رجعي" حد تعبيره بالتنسيق مع حركة أمل وحركة عون الوطنية الحرة، مما يعني أنه سيحتاج إلى اللجوء إلى مستويات أعلى من القوة مما رأيناه حتى الآن.

  

لكن إن لم يكن هناك احتواء سياسي سريع للأزمة من قِبل الطبقة السياسية وأولهم الحزب بطبيعة الحال، فإن لبنان كعادته سيواجه خطر الاشتباكات المسلحة، فالحزب وأنصاره وغيرهم في جميع أنحاء لبنان مسلحون، "ومن السهل أن تنتشر الأسلحة في خمس ثوانٍ في أيدي الجميع" كما يقول نبيل بومنصف نائب رئيس تحرير صحيفة "النهار" اللبنانية.

  

ولأن الاحتجاجات تميّزت بطبيعتها اللا مركزية، فإن محاولات الحد منها في أنحاء لبنان أصبح أمرا بالغ الصعوبة، وهو ما يجعل أحد السيناريوهات المرجحة أن ينفجر الوضع على الطريقة اللبنانية كما ذكرنا، واشتعال النيران الطائفية التي كثيرا ما أشار إليها الحزب ضمنا، لكن حتى الآن، ينخرط حزب الله في عملية تحقيق توازن دقيق مرتكز على قناعة بأن قوته لن تتزعزع على المدى الطويل، لكن الواقع السياسي اللبناني يتغيّر بوتيرة سريعة، وهو مهيّأ لظهور تهديدات تمس موقع الحزب السياسي في لبنان، خاصة من الشارع، وحينها لن يتردد حزب الله على الأرجح في إطلاق قوته العسكرية مرة جديدة.

المصدر : الجزيرة