شعار قسم ميدان

شيشانيون في أوكرانيا.. أسرار العلاقة الخاصة بين فلاديمير بوتين ورمضان قديروف

epa01163299 Russian President Vladimir Putin (L) speaks with Chechen President Ramzan Kadyrov (R) during a meeting with the crew of the '12' movie in the Novo-Ogaryovo Putin's residence outside Moscow, 02 November 2007. The film '12', a rowdy courtroom drama about a Russian jury asked to convict a Chechen youth for the murder of his stepfather, was awarded with a special Lion for its 'unity composition' at the 64th International Exhibition of Cinema Art, better known as Venice Film Festival at September. EPA/DMITRY ASTAKHOV RIA NOVOSTI/KREMLIN POOL

مقدمة الترجمة:

من بين مشاهد الغزو الروسي لأوكرانيا، هناك لقطة محددة لم تفشل في إثارة انتباه الجميع. بطل هذا المشهد هو الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وهو يؤم آلاف المقاتلين خلال عرض عسكري تزامن مع تهديدات الغزو الروسي. بعد ذلك بساعات أعلن قديروف أنه نشر 12 ألف مقاتل شيشاني لدعم القوات الروسية في غزوها لأوكرانيا امتثالا لطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الشيشان هي إحدى الجمهوريات التابعة للاتحاد الروسي)، وهو ما يُعيد تسليط الضوء على العلاقة الخاصة بين الرجلين، والثمن الذي يدفعه بوتين من أجل التمتع بالولاء التام من حاكم الشيشان.

 

نص الترجمة:

تخيَّلوا حاكما لديه جيش خاص به، يتكوَّن من جنود مدربين تدريبا عاليا ومخلصين له شخصيا، أوامرهم هي قتل أي عسكري خارج عن سلطته على الأراضي التابعة له بمجرّد رؤيته. لقد ضم هذا الحاكم جزءا من أراضٍ تابعة لجارته إلى الغرب، وهو يُخطِّط للقيام بخطوات مماثلة على حدوده الشرقية، يُصوِّر هذا الحاكم نفسه قائدا إسلاميا عالميا رائدا، فيستضيف مؤتمرات دينية دولية، ويُبرم اتفاقات تعاون أمني وتدريب عسكري مع الدول الديكتاتورية الإسلامية الغنية في آسيا والخليج العربي، ويوسِّع من علاقات "مشيخته" مع جيرانه الذين لا يستطيع ترهيبهم، بينما تعتدي قواته الأمنية بانتظام على معارضيه المنفيين في الخارج حتى اغتيالهم. هذا ليس حاكم إمارة صغيرة من القرون الوسطى في آسيا الصغرى أو شبه الجزيرة العربية، وهو حتى ليس بحاكم لدولة مستقلة، إنه حاكم لإقليم يقع داخل دولة روسيا الاتحادية في العصر المعاصر!

 

هذا هو حاكم الشيشان وطاغيتها الزئبقي، رمضان قديروف. كان قديروف يبلغ من العمر 27 عاما فقط عندما قُتل والده في انفجار استهدفه عام 2004، فورث ابنه الشاب قيادة الجمهورية الواقعة في شمال القوقاز. منذ ذلك الحين، توسَّعت سلطة قديروف باطراد خارج نطاق منصبه الرسمي قائدا لإحدى المقاطعات الروسية البالغ عددها خمس وثمانون.

 

بعد حربين داميتين مع روسيا دامتا مدّة عقد ونصف العقد، وخلَّفتا عشرات الآلاف من القتلى، فقدت الشيشان استقلالها الرسمي في عام 2000، ولكن تحت حكم نظام رمضان قديروف، تمارس الشيشان الآن سيادتها أكثر من أي وقت مضى في العقدين الماضيين، ومن المرجح أن تتوسع هذه السيادة في المستقبل، حيث يبدو أن قديروف مُصِرٌّ على محاولة توسيع حدود نفوذه. وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُبدي تجاهلا شبه تام لسياسات ابنه الضال التي تُزعزع استقرار إحدى أكثر المناطق هشاشة في روسيا.

 

توسيع الإمارة

لقد تغيرت الأمور كثيرا في شمال القوقاز. لطالما اعتُبر قديروف حاكما قاسيا ووحشيا، لكنه كان في السابق قانعا بجمهوريته الصغيرة الخاصة به. كان لبوتين، الراعي الذي يبايعه قديروف بولاء غير محدود، ترتيب ثابت مع الزعيم الشيشاني: افعل ما تريد داخل حدود إمارتك، لكن أبقِ الأمور في الشيشان تحت السيطرة. وبالنظر إلى حجم التمرد في شمال القوقاز، الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 1000 من العسكريين الروس بين عامَيْ 2009-2017، كان الاستقرار يُمثِّل أولوية موسكو الأولى في المنطقة.

 

في السنوات القليلة الماضية، تراجع مستوى التهديد من المتمردين. بدأت الحكومة الفيدرالية الروسية حملة كبرى لمكافحة التمرد قبل دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها مدينة سوتشي عام 2014. وقامت قوات الأمن الروسية بقتل أو القبض على جميع قادة التمرد تقريبا، بينما غادر عدة آلاف من المسلحين والمجاهدين المنطقة للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والجماعات الجهادية الأخرى في سوريا. في الوقت نفسه، كثَّفت القوات الشيشانية الموالية لقديروف من ضغوطها على القطاع الشيشاني من المتمردين، مما أدى إلى إخلاء المسلحين للمناطق الجبلية في جنوب الشيشان. بحلول عام 2017، نجحت أجهزة الأمن الروسية والشيشانية في تدمير شبكات المتمردين المسلحة في المنطقة تدميرا شبه كامل. وقد سمح هذا النصر العسكري لقديروف بمتابعة الأولويات الأخرى، مثل فرض نفوذه على جيرانه.

 

في منتصف عام 2018، وبذريعة تطوير البنية التحتية، بدأ قديروف في توسيع الطريق الجبلي المتهالك الذي يصل الشيشان بجمهورية إنغوشيتيا، جارة الشيشان الغربية داخل روسيا الاتحادية. بعد ذلك بوقت قصير، ظهرت صور للمسؤولين الشيشان، وهم محاطون بقوات الأمن، يقفون على أرض إنغوشية مُعلنين أنها ملك لهم. وقد جُعِلَ الضم الضمني ضمًّا رسميًّا في أواخر سبتمبر/أيلول، عندما وقَّع قديروف على اتفاق مع زعيم إنغوشيتيا، يونس بك يفكوروف، يقضي بتسليم ما يقرب من 10% من أراضي إنغوشيتيا إلى الشيشان.

حاكم الشيشان رمضان قديروف (إلى اليمين) والرئيس الروسي بوتين (في الوسط) وزعيم إنغوشيتيا يونس بك يفكوروف (إلى اليسار) (رويترز)
حاكم الشيشان رمضان قديروف (إلى اليمين) والرئيس الروسي بوتين (في الوسط) وزعيم إنغوشيتيا يونس بك يفكوروف (إلى اليسار) (رويترز)

ولا يزال من غير الواضح بالضبط ما السبب وراء موافقة يفكوروف على هذه الصفقة، لكن من المرجح أنه تعرَّض لضغوط شديدة من قديروف وأنه لم يكن يتوقع أن الصفقة سوف تؤدي إلى مظاهرات واسعة كتلك التي تلتها. أتى رد الفعل الشعبي في إنغوشيتيا غير مسبوق، حيث احتج عشرات الآلاف في الشوارع ضد الاتفاق مع الشيشان. لكن بعد أن وافقت المحكمة الدستورية الروسية على نقل ملكية الأراضي في أوائل ديسمبر/كانون الأول، لم يكن هناك أي شيء يمكن للإنغوشيين فعله.

 

بعد أن وسَّع قديروف حدوده غربا بنجاح، تحوَّل إلى الشرق. في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، نشر برلمان الشيشان خريطة تُبيِّن الحدود المحدَّثة للجمهورية. لم تتضمن الخريطة الأراضي الجديدة من إنغوشيتيا فحسب، بل أيضا تغييرات أخرى غير متوقعة، حيث ضُمَّت أجزاء من جمهورية داغستان (وهي منطقة حكم ذاتي أخرى في روسيا)، التي تقع على الحدود الجنوبية الشرقية من الشيشان، ودُمِجت في "مملكة" قديروف. تغيَّرت الخريطة بسرعة لاحقا لإصلاح الخطأ الظاهر، لكن الخطأ لم يكن سوى "نبوءة". ففي يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، التقى قديروف مع الزعيم الداغستاني فلاديمير فاسيلييف وناقشا مسألة "ترسيم الحدود" بين جمهوريتيهما.

 

في غضون أسابيع، أُرسِل ماغوميد داودوف، رئيس البرلمان الشيشاني وحليف قديروف الوثيق، إلى داغستان لمناقشة القضية، بعد أن شكَّلت الجمهوريتان لجنة مشتركة لترسيم الحدود. في الحقيقة فإن فاسيلييف، الذي نصَّبته موسكو رئيسا لجمهورية داغستان في أواخر عام 2017، ليس مواطنا داغستانيا أصليا، وربما يكون قد استهان بأهمية قضايا ملكية الأراضي في المنطقة. لا يزال من غير الواضح أيٌّ من أراضي داغستان سوف يحصل عليها قديروف، لكنّ الداغستانيين، مثل نظرائهم الإنغوشيين، قد ردّوا بغضب شديد على الأنباء القائلة إن حكومتهم قد تبدأ بالتنازل عن الأراضي لصالح الشيشان.

الزعيم الداغستاني فلاديمير فاسيلييف (رويترز)
الزعيم الداغستاني فلاديمير فاسيلييف (رويترز)

ما وراء الحدود

بالتوازي مع توسُّعه داخل روسيا الاتحادية، يُحسِّن قديروف أيضا العلاقات مع الشركاء الأجانب. لم يكن لدى الشيشان في السابق علاقات وثيقة مع دول جنوب القوقاز، وهي المنطقة التي تضم أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، بل إن الكتائب الشيشانية قاتلت إلى جانب الروس في حرب عام 2008 بين جورجيا وروسيا، في حين لم يكن لدى الشيشان روابط قوية مع أذربيجان، التي لا تمتلك معها الكثير من القواسم المشتركة.

 

لكن مؤخرا، تقرَّب قديروف من كليهما. وأظهر تقرير بثّه التلفزيون الحكومي الشيشاني في ديسمبر/كانون الأول 2018 وجود أعمال بناء على الطريق الجبلي الصغير المؤدي إلى الحدود الشيشانية الجورجية، مُعلِنا أن من المقرر إعادة فتح المعبر الحدودي الذي كان مغلقا لفترة طويلة "قريبا" (خلال التسعينيات، كان هذا الطريق الرابط الأرضي الوحيد بين الشيشان المستقلة والعالم الخارجي غير روسيا). لكن مبعوث جورجيا الخاص للعلاقات مع روسيا قال إن بلاده لم تسمع شيئا عن إعادة فتح المعبر الحدودي مع الشيشان.

 

على الرغم من ذلك، من الواضح أنه توجد الآن روابط متزايدة بين غروزني وتبليسي، بغض النظر عما يقوله أيٌّ من الجانبين. في يناير/كانون الثاني من العام نفسه، أُفيد بأن رئيس بلدية غروزني آنذاك مسلم خوشيف سافر إلى جورجيا في زيارة لم يُعلن عنها سابقا. (لم يُعلن عن رحلة خوشيف، وعندما واجهه الصحفيون، ادّعى أنه كان في إجازة). كما زار قديروف أذربيجان شخصيا، حيث التقى بالرئيس إلهام علييف في باكو لمناقشة المزيد من التعاون.

زيارة قديروف أذربيجان ولقاءه بالرئيس إلهام علييف في باكو في ٢٨ نوفمبر 2018 لمناقشة المزيد من التعاون

 

تعاون أمني مع دولة الإمارات

لكن قد يكون قديروف قد قام بأهم خطواته الخارجية في الدول العربية، إذ كوَّن الزعيم الشيشاني صداقات وثيقة في السنوات الأخيرة مع قادة مثل ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة. كما يتمتع قديروف بعلاقات قوية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمراء العائلة المالكة في البحرين، والقادة في المملكة الهاشمية الأردنية، ومن المحتمل أن تتعمق هذه العلاقات أكثر.

 

ساهمت هذه العلاقات في تعزيز سلطة قديروف. في وقت لاحق، افتتحت الشيشان واحدة من أكبر مدارس تدريب القوات الخاصة في العالم، وكان المدرّبون كافة في المدرسة من القوات الشيشانية بدلا من القوات المسلحة الروسية. تنوي كلٌّ من البحرين والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إرسال أفراد من قوات النخبة للتدرُّب على "مكافحة الإرهاب" في هذه المنشأة بالشيشان. على الرغم من تسمية المدرسة رسميا بجامعة سبيتسناز الروسية، فإنها لا علاقة لها مع روسيا على الإطلاق.

 

أعطونا المال.. ولكن لا تتدخلوا

إن أشياء مثل التوسع الحدودي، وتطوير العلاقات الخارجية المستقلة، وامتلاك جيش مستقل، كلها خصائص غير مألوفة بالنسبة لإقليم حكم ذاتي في دولة أكبر. لهذه الأسباب، يصف المحللون، مثل إيكاترينا سكيريانسكايا، الشيشان بأنها "خارجٌ داخلي" و"دولة داخل دولة" في روسيا. لكن هذه الخواص قد لا تكون كافية لوصف اتساع استقلالية دولة قديروف.

 

في الوقت الحالي، هناك عنصر واحد فقط يربط الشيشان بروسيا على نحو وثيق، إنه المال. تتلقى السلطات الشيشانية نحو 85% من ميزانيتها الحكومية في شكل تحويلات فيدرالية من موسكو. يُختَلس الجزء الأكبر من هذه الأموال من قِبَل المسؤولين الشيشان أو تُصرَف على المشاريع الضخمة غير الضرورية. لكن مع كل ميزانية فيدرالية جديدة يتم إقرارها، يطالب قديروف بتمويل إضافي، وقد أطلق تهديدات ضمنية حول ما يمكن أن يحدث للاستقرار الإقليمي في حال لم تزوده روسيا بالمزيد من الأموال!

 

كالمعتاد، استجاب الكرملين لطلباته، وسحب في الماضي خططا لخفض تمويل الشيشان. حدث ذلك علنيا عام 2016، عندما احتج قديروف على مقترح لخفض تمويل جمهوريته، مُعلِنا أن هذه الخطوة "غير مقبولة" بالنسبة لمنطقة "عادت لتوها للوقوف على قدميها"، وقد لخَّص طلبه الأخير لمزيد من الدعم بإيجاز قائلا: "سوف نُحقِّق المزيد إذا أعطيتمونا الموارد اللازمة، وسنُحقِّق أكثر من ذلك إذا لم تتدخلوا في أمورنا".

شركة جازبروم (رويترز)
شركة جازبروم (رويترز)

بعد بضعة أسابيع من تصريح قديروف، ألغت محكمة شيشانية في العاصمة غروزني ما قيمته تسعة مليارات روبل (135 مليون دولار) من الديون التي كانت تدين بها الشيشان لشركة النفط العملاقة الروسية جازبروم، وزعمت السلطات الشيشانية أن هذا الدين كان نتيجة لإنفاق المواطنين في المقام الأول، لكنّ المواطنين الشيشان أصرّوا على أن الديون تدين بها حكومتهم وليسوا هم، مُشيرين إلى أنهم كانوا قد حُرموا قسرا من جزء من رواتبهم لدفع ديون مماثلة قبل فترة وجيزة.

 

وأعلن مسؤولو شركة جازبروم عزمهم على الطعن في القرار، في حين أعلن قادة المقاطعات الروسية الأخرى أنه ينبغي السماح لهم بإلغاء ديونهم الخاصة أسوة بالشيشان، بعد تعبيرهم عن غضبهم من عدم محاسبة قديروف على مثل هذه الإجراءات. ويبدو من المرجح أن الأموال التي كانت مخصصة لاحتياجات مواطني الشيشان من الغاز ذهبت بدلا من ذلك إلى مشروع "برج أخمات" لبناء ناطحة سحاب من 102 طابق بتكلفة مليار دولار.

غياب أي توبيخ علني لقديروف يشير إلى أن بوتين لا يعتبر أن سياساته تُشكّل تهديدا حقيقيا للاستقرار الإقليمي
غياب أي توبيخ علني لقديروف يشير إلى أن بوتين لا يعتبر أن سياساته تُشكّل تهديدا حقيقيا للاستقرار الإقليمي

 

اللعب بالنار

إن أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام حول طموحات قديروف التوسعية هو الغياب شبه التام لأي رد رسمي من الكرملين. فيما يتعلق بأزمة إنغوشيتيا، لم يصدر سوى تعليق واحد علني من بوتين، حتى هذا التعليق أتى عن طريق مصدر غير مباشر، على لسان يفكوروف الذي كان يصف محادثة بينه وبين بوتين، التي حثَّه فيها الأخير على حل المسألة عبر "الأساليب الديمقراطية" وليس عن طريق القوة. لكن من غير الواضح ما تلك "الأساليب الديمقراطية" التي يُشير إليها بوتين: فقد طالب ناشطون إنغوشيون بإجراء استفتاء عام على نقل ملكية الأراضي، لكن يفكوروف رفض هذا المطلب. ولم تصدر تصريحات من الكرملين مؤخرا بخصوص أفعال قديروف على الإطلاق.

 

إن صمت الكرملين الرسمي لا يسمح للمراقبين سوى بالتكهن حول طبيعة العلاقة الحقيقية القائمة بين موسكو وغروزني. لكن غياب أي توبيخ علني لقديروف يُشير إلى أن بوتين لا يعتبر أن سياساته تُشكِّل تهديدا حقيقيا للاستقرار الإقليمي. في الماضي، عندما كانت تجاوزات قديروف محصورة في الشيشان نفسها، ربما كان هذا الرأي مفهوما، وإن كان قصير النظر وغير أخلاقي. لكن الآن، مع توسيع الزعيم الشيشاني لنفوذه خارج حدود جمهوريته، فإن غياب أي محاولة من موسكو لاحتوائه، بل والموافقة الضمنية التي يُشير ذلك إلى وجودها، هو أمر محفوف بالخطر.

 

فالنزاعات حول الأراضي، من المطالب بإقامة جمهورية شركسية موحَّدة إلى الحركات القومية الانفصالية في داغستان، تظل أكثر القضايا إثارة للاضطرابات في شمال القوقاز، حيث أُعيد رسم الحدود باستمرار خلال القرن الماضي. لقد مهَّد الحكم الرسمي الذي أصدرته المحكمة الدستورية الروسية بشأن استحواذ قديروف على أراضٍ من إنغوشيا لسابقة تتعلق بمراجعة الحدود القائمة، وهو أمر كان قد تم تجنُّبه لفترة طويلة، ولسبب وجيه. في الواقع، توقَّعت لجنة من الخبراء الروس في شؤون شمال القوقاز مؤخرا أن تصرُّف قديروف غير الخاضع للمساءلة يزيد من خطر استثارة المظالم الشعبية وإشعال التمرد في المنطقة. ومع استمرار الزعيم الشيشاني في اتباع سياساته الإقليمية العدوانية وعلاقاته الخارجية المستقلة، فإنه يخاطر بدفع شمال القوقاز، وهي منطقة تتمتع حاليا باستقرار مؤقت بعد عقود من النزاعات، إلى حالة من عدم الاستقرار الخطير.

————————————————————-

ترجمة: كريم طرابلسي.

هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة