شعار قسم ميدان

من يزدي إلى لاريجاني.. من سيجلس على عرش إيران؟

ميدان - إيران و الانتخابات

مؤخرًا، كانت الساحة السياسية الإيرانية على موعد مع حرب لفظية لم تخلُ من التجريح والاتهام بالفساد والكذب وعدم الكفاءة الدينية بين وجهين سياسيين ودينيين بارزين، هما: آية الله محمد يزدي، رئيس مجتمع مدرسي حوزة قم العلمية، وآية الله صادق لاريجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، في مؤشر واضح على أن حدة الصراع السياسي على رسم المشهد المستقبلي لإيران دخلت مستويات أكثر حدة في أروقة الحوزة في قم؛ حيث يحاول النافذون فيها تعزيز دورهم في خط ملامح المرحلة القادمة والدفع بشخصيات تنسجم معها فكريًّا، وفي الوقت ذاته وضع العراقيل وتقليل فرص شخصيات أخرى تمتلك من الصفات ما يجعلها قادرة على المنافسة والبروز.

 

في ساحة أخرى، ولكنها لا تبدو منفصلة على الأولى، يجري بناء صورة مؤثِّرة ومختلفة لحجة الإسلام رئيسي، رئيس السلطة القضائية، وتقديمه كرجل يضرب بيد من حديد في مجال مكافحة الفساد، ويقود عملية تطهير للجسم القضائي، في مؤشر على قرار بجعل ما خسره رئيسي في الانتخابات الرئاسية على صعيد مكانته السياسية والشعبية يستعيده مضاعفًا من خلال السلطة القضائية وعناوين مثل مكافحة الفساد، وهي المعضلة التي تضرب أركان إيران. 

    

ما خسره إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسة يستعيده من خلال القضاء ومكافحة الفساد (رويترز)
ما خسره إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسة يستعيده من خلال القضاء ومكافحة الفساد (رويترز)

    

خلاف يزدي-لاريجاني

وفي ساحة أخرى، يتضاعف الحضور السياسي للجنرال سليماني بصورة غير مسبوقة، فقائد فيلق القدس غادر مساحة "قائد الظل" الذي يدير ساحات التوتر في العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان، وأصبح أكثر حضورًا في الساحة الداخلية، ويدلي بآراء تتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية، ولا يكاد يمر أسبوع دون حضور أو تصريح لافت لسليماني. وفيما يحاول التيار الإصلاحي بناء معادلة جديدة/قديمة تعيده إلى الساحة السياسية، يسعى التيار الأصولي لعقد تحالفات تعزز حضوره السياسي، بينما يتحرك أحمدي نجاد بتياره بصورة مختلفة يحاول من خلالها تجنب عقبة مجلس صيانة الدستور، ويجري ذلك كله مع انخراط الأطراف السياسية في التحضير لخوض أكثر من استحقاق انتخابي؛ حيث تجرى انتخابات مجلس الشورى الإسلامي الحادية عشرة، وأول انتخابات نصفية للدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة في فبراير/شباط 2020، يعقبها انتخابات الرئاسة الإيرانية الثالثة عشرة في مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2021. لكن ما تشهده الساحة السياسية الإيرانية من تحولات يعطي مؤشرات ذات اعتبار على أن الانتخابات القادمة ستكون أبعد من ثنائية أصولي-إصلاحي، أو أصولي-معتدل إصلاحي، إن لم يكن تجاوز هذه الثنائية بالمطلق.

 

في لقاء جمعه مع أساتذة ونخبة الـ"بسيج" في حوزة قم، شنَّ آية الله محمد يزدي، الشخصية البارزة في "مدرسي حوزة قم العلمية"، هجومًا حادًّا على الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، آية الله صادق لاريجاني، متهمًا إياهما بمخالفة القيادة، والعجز عن إدارة شؤون الدولة، ودعا روحاني إلى التنحي، وانتقد يزدي رسالة قيل: إن لاريجاني أرسلها إلى مرشد الثورة الإسلامية، مهدِّدًا فيها بالمغادرة إلى النجف على خلفية اعتقال شخصيات عملت معه وقت كان رئيسًا للسلطة القضائية، واتهمه يزدي بعدم الكفاءة العلمية واستغلال اسم عائلته ليبني قصرًا تحت اسم مدرسة، وسَخِر يزدي من "الهجرة إلى النجف" بالقول: "اذهب! فهل ذهابك سيقلب الأمور في قم؟ لم تكن ذا تأثير في قم، فماذا سيحصل في النجف؟!".

    

رجل الدين البارز آية الله محمد يزدي شن هجوما حادا على حسن روحاني وصادق لاريجاني (وكالة الأنباء الأوروبية)
رجل الدين البارز آية الله محمد يزدي شن هجوما حادا على حسن روحاني وصادق لاريجاني (وكالة الأنباء الأوروبية)

   

ورغم تكذيب لاريجاني لمسألة الرسالة ببيان رسمي صادر عن مجمع تشخيص مصلحة النظام ونفيه الشديد لكونه هدَّد بالمغادرة إلى النجف إلا أن ذلك لم يوقف حدة الهجوم ضده، على صفحات صحف أصولية ومحطات تلفزة رسمية، ورسائل محرضة إلى رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، مما دفع لاريجاني إلى الرد على يزدي برسالة أكثر حدة، وصفه فيها بأنه "منافق" و"ينسج الأكاذيب"، وشكَّك بكفاءته ليكون عضوًا في مجلس صيانة الدستور، واعتبر أن الهجمات ضده، وخاصة على شاشة التليفزيون، هي "سيناريو مخطط له مسبقًا" ضمن "مشروع أكبر لتشويه صورته". وسبق أن تعرض لاريجاني لمحاولات تشويه قبل سنوات عندما خرجت إشاعات تتهم ابنته بالتجسس لصالح المملكة المتحدة. وقال إن صدره "خزانة أسرار لاتهامات شخصيات سياسية رفيعة المستوى وأبناء النخبة السياسية الإيرانية.. وإنه يدفع ثمن مواجهتهم".

  

يثير خلاف يزدي-لاريجاني أسئلة كثيرة بشأن أسبابه خاصة وأن الاثنين سبق أن رأسا السلطة القضائية، وكلاهما عضوان في مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، وكلاهما أيضًا مدرسان في الحوزة العلمية في قم، وكلاهما محسوبان على الأطياف السياسية الأكثر قربًا من مرشد الثورة الإسلامية. ولعل هذه الأبعاد هي التي دفعت مجتمع مدرسي حوزة قم العلمية إلى إصدار بيان يؤكد فيه أن مواقف وتصريحات رؤساء وأعضاء المجتمع التي يمكن اعتمادها والاستناد إليها هي فقط التي تُنشر على الموقع الرسمي للمجتمع. ولعل تداعيات هذه المواجهة التي انخرط فيها شخصيات مؤثِّرة في نظام الجمهورية الإسلامية، جعلت مجموعة من طلاب ووجهاء الحوزة العلمية في قم يوجهون خطابًا محذِّرًا للاثنين، منذرًا بالعواقب التي لن تقف عند الحدود الشخصية لكل منها، ومحذرًا من جرِّ المجتمع إلى هذه المواجهة. وسجلت الرسالة، مجموعة من الملاحظات قبل أن تخاطب كلًّا من الرجلين باسمه:

       

آية الله صادق لاريجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام (رويترز)
آية الله صادق لاريجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام (رويترز)
   
  • لا حاجة لنقل مناقشات طلبة الحوزة مع شخصيات مثلكم هي من أعمدة النظام، إلى المجال العام للمجتمع لأن عواقبها سوف تمتد إلى الإسلام ورجال الدين والثورة والنظام.
  • مباحثات طلبة الحوزة كانت على الدوام ترتكز على محور الاستدلال والتفكير وليس التدمير والإضعاف وإدانة الآخر.
  • بالنظر إلى الانتخابات المقبلة (البرلمان ثم الرئاسة) وجميع الجهود المعادية للثورة لتدمير مجلس صيانة الدستور وهدم رقابته، فليس من المناسب بأية حال تعميق الخلافات والنزاعات في المجتمع.

  

وخاطبت الرسالة آية الله يزدي بالقول: إنه كان من اللائق فيما يتعلق بالرسالة التي جرى تكذيبها أن تُجري تمحيصًا وتحقيقًا أكثر بشأنها. كما إنه من اللائق التعبير عن انتقاداته "بسعة صدر ونبرة مناسبة، لئلَّا تكون تصريحاتك زادًا للذئاب التي شحذت أسنانها ضد النظام"، وقالت: إن "البيان الصادر عن مجتمع المدرسين بعدم الوثوق بالتصريحات غير الرسمية والمنسوبة لكم، غير كاف وكان من الأجدر تكذيب ما نُشر في وسائل الإعلام بشدة". وخاطبت لاريجاني بالقول: أنت من بين العلماء الثوريين وتنتمي إلى بيت عالي القدر، لكن يجدر بك ملاحظة التالي:

  

  • بما أن مجتمع المدرسين قد نشر بيانًا بأن التصريحات المنسوبة إلى آية الله يزدي غير معتبرة وفاقدة للسند، كان من المتوقع أن تُبدي سعة صدر أكبر، وأن تحترم مكانة وسن آية الله يزدي. 
  • إذا كانت لديك ملاحظات حول آية الله يزدي أو تصريحاته، فلماذا تأتي بالذكر على أركان النظام والثورة؟
  • لقد تضمنت رسالته التي جاءت متعجلة وبفعل الغضب اتهامات غير موثقة، وكان من المتوقع أن تكون أكثر حرصًا على هذا الجانب واتباع نهج أكثر دقة خاصة أنك تقلدت منصب رئيس السلطة القضائية. 
  • تعلم جيدًا الجهد الاستعماري الذي بُذل لإخراج آية الله يزدي من مجلس الخبراء، وكان من المناسب أن تدخل الميدان بطريقة أكثر تأنيًا حتى لا تقدم وقودًا لمعاداة الثورة.
  • حتى لو كان نقدك موجهًا إلى آية الله يزدي نفسه، فلا ينبغي أن يصل نصل نقدك الحاد إلى المكانة المقدسة لمجتمع المدرسين.

    undefined

  

تختلف المعركة ضد لاريجاني هذه المرة، عن الهجمة التي سبق وشنَّها الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، ضد عائلة لاريجاني متهمًا إياها بالفساد، لكنها بالتأكيد تعيد إلى الأذهان تلك المواجهة مع الراحل، آية الله رفسنجاني وعائلته، وأخذها أحمدي نجاد على عاتقه، وهي المواجهة التي أوجدت تباعدًا بين مرشد الثورة ورفسنجاني، وجعلته حتى وفاته في معرض الهجوم والنقد والإقصاء.

   

تكشف المواجهة الدائرة اليوم بصورة جلية عن صراع أطياف سياسية مع طيف لاريجاني، وسعي حثيث بكل الوسائل لإخراج هذا الطيف من هيكل السلطة، فإضعاف موقع رئيس السلطة القضائية السابق لا يأتي بعيدًا عن كونه اسمًا مطروحًا في قائمة المرشحين لخلافة خامنئي، كما إنه لا يقف عند حدود صادق لاريجاني فقط بل يطول مستقبل شقيقه، علي لاريجاني، الذي من المتوقع أن يترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، وبدأ بالتقارب من التيار الإصلاحي في محاولة لانتزاع تأييده كمرشح في هذه الانتخابات. ويكتب فريد مدرسي، الصحفي المتخصص بشؤون الحوزة العلمية، على تليغرام بأن انتشار حديث يزدي والتركيز عليه وإيجاد وسم "آية الله يزدي صوتنا" يدل على مشروع سياسي يتوارى خلف نشر التصريحات، وأن آية الله يزدي سهَّل هذا المشروع، وسبق لمدرسي أن قال في قناته على تليغرام: إن الرسالة المنسوبة إلى لاريجاني لا أساس لها من الصحة وإنه جرى نقلها عن موقع آمد نيوز الذي زوَّر الخبر. أما الأهم الذي تكشفه حملة مهاجمة لاريجاني وتعدد أذرعها بما في ذلك التليفزيون الرسمي، فهو أن مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، قد رفع حمايته عن لاريجاني. ويذهب الإصلاحي، عبد الله ناصري، إلى القول بأن الهدف الأساسي هو إضعاف موقعه وأن غروب عائلة لاريجاني قد اقترب.

    

الأصوليون والإصلاحيون: اللعب بأدوات قديمة
مازال التيار الأصولي يركز على الشخصيات ويستخدم أدواته القديمة (مركز الجزيرة للدراسات)
مازال التيار الأصولي يركز على الشخصيات ويستخدم أدواته القديمة (مركز الجزيرة للدراسات)

    

أشهر قليلة تفصل عن انتخابات مجلس الشورى، وتكشف مراقبة أداء الأحزاب الموجودة على الساحة الإيرانية على اختلاف توجهاتها لجوءًا للأدوات القديمة من حيث عقد التحالفات والدفع بالمرشحين، وما زال التيار الأصولي يركز على الشخصيات ووحدة التيار، ومن الواضح أن قيادات أصولية معروفة ستغيب عن ساحة المنافسة في الانتخابات القادمة، ومن أبرزها: حداد عادل، الذي سبق ورأس مجلس الشورى، لكنه فشل في الحصول على مقعد في الانتخابات السابقة، وكذلك النائب السابق، أحمد توكلي، ومحمد رضا باهنر، الشخصية ذات النفوذ في الأوساط الأصولية والأمين العام لمجتمع المهندسين، فيما لا يبدي لاريجاني رغبة في الترشح لمجلس الشورى.

     

ولأول مرة، يجري تداول اسم عمدة طهران السابق، محمد باقر قاليباف، وهو عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، في الحديث عن انتخابات مجلس الشورى، حيث إنه خاض تجربة الانتخابات الرئاسية مرات، لكنه لم يختبر حتى الآن انتخابات مجلس الشورى، وقد دعا الشباب مؤخرًا في رسالة مصورة إلى التسجيل في موقع الانتخابات البرلمانية، وجرى تداول حديث عن وجود قائمة مستقلة للانتخابات المقبلة. ولم يُحسم أمر ترشح قاليباف من عدمه إلى اليوم لكنه يرغب، على ما يبدو، بلعب دور في الانتخابات، ويسعى لتشكيل طيف يُطلَق عليه: الأصوليون الجدد. وحتى تتبين ملامح قائمة المرشحين فإن ما يجري اليوم يشير إلى أن شيوخ التيار الأصولي ينخرطون في التحضير للانتخابات وإدارتها لكنهم يتراجعون عن الترشح مفسحين المجال لأسماء قد تكون جديدة ومن الفئة الشابة، مع دور أكبر لرجال الدين في عملية توحيد الصف الأصولي وانتخاب مرشحيه. ومع ذلك، فإن أطيافًا كثيرة يجري تعريفها ضمن العناوين الأصولية الكبرى ما زالت خارج الجبهة الموحدة للأصوليين.

  

وينشغل التيار الإصلاحي ببحث التحالفات التي يمكنه من خلالها أن يدعم قائمة مرشحين حتى وإن كانوا لا ينتمون لطيفه السياسي لتجاوز إشكاليات الإقصاء السياسي التي عانى ويعاني منها التيار الإصلاحي منذ ما يزيد عن 15 عامًا. 

  

ويحاول حزب كوادر البناء تقديم خطة لم تغادر الخط العريض السابق، ويعاني التيار الإصلاحي بصورة ملحوظة من معضلة القيادة، وعلى الرغم من مكانة خاتمي إلا أن شخصيات داخل التيار تتحرك بعيدة عنه، ويرافق ذلك تخبط استراتيجي يتعلق بالأولويات والشعارات، وعدم امتلاك آليات فاعلة للتعامل مع حالة الإقصاء الانتخابي برفض المصادقة على ترشيح ممثلي التيار في الانتخابات. ولعل الأداء الضعيف للإصلاحيين في البلديات ومجلس الشورى والمناصب الوزارية يعمِّق من معضلة حضورهم الانتخابي.

      

التيار الإصلاحي وتحرك لتجاوز قيادة خاتمي (رويترز)
التيار الإصلاحي وتحرك لتجاوز قيادة خاتمي (رويترز)

    

الـ"بهاريون": ربيعيو أحمدي نجاد

بدأت الأدبيات السياسية في إيران تعطي اسمًا لتيار الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، خارج التيار الأصولي، فـ"البهاريون/الربيعيون" اليوم هو تيار أحمدي نجاد الذي يحاول التيار الأصولي استقطابه. ورغم وصوله إلى الحكم بدعم أصولي واضح إلا أن أحمدي نجاد لم يكن أصوليًّا بالمعنى التنظيمي الدقيق، وعزَّز خبر لقاء محمد باقر قاليباف مع أحمدي نجاد التكهنات بتحالف جديد بين الرجلين. وفي الوقت نفسه، وفيما ترحب شخصيات مثل حسن غفوري فرد بعودة محتملة لأحمدي نجاد بالقول: "لا يمكن القول: إن السيد أحمدي نجاد خارج التيار الرئيسي، لكنه سلك سلوكًا حادًّا مع الثورة وحتى مع ولاية الفقيه.. وإذا عاد فيجب قبول عودته فقد قبل الإمام الحسين عودة من انشقوا عنه"، لكن حداد علي، رئيس مجلس الشورى السابق، ومن أهم الشخصيات في مجلس وحدة التيار الأصولي، يحمل رأيًا مختلفًا إذ يقول: "طوال ثماني سنوات من رئاسته، لم يقل أحمدي نجاد ذات مرة إنه كان أصوليًّا، ومنذ البداية كان يفصل نفسه عن الأصوليين، ونحن اصطدمنا به باستمرار".

  

ويمكن القول: إن عودة أحمدي نجاد المحتملة حتى لو جاءت بالتحالف مع قاليباف لن تكون ضمن العنوان الأصولي، فالرجل بني خلال السنوات الماضية خطابًا مفارقًا للخطاب الأصولي، ولا يمكن هنا مقارنة العلاقة بين التيار الأصولي وأحمدي نجاد بتلك العلاقة بين التيار الأصولي والتيار الإصلاحي؛ حيث وضع التياران الحدود الفارقة والفاصلة منذ أمد بعيد، ومهما كان الجواب الحاصل على هذه المسألة فهو جواب يضع التيار الأصولي في معرض النقد الحاد. لقد حاول التيار الأصولي استثمار اندفاعة أحمدي نجاد وحضوره في تعزيز موقعه لكنه وقع في نهاية المطاف ضحية لدعم غير محسوب النتائج وصار مسؤولًا بصورة أو بأخرى عن الانتكاسات التي شهدتها إيران على صعيد السياسة الداخلية والخارجية في فترتي أحمدي نجاد. والحقيقة أن عقودًا مضت دون أن ينجح التيار الأصولي في إيصال مرشح للرئاسة. وعلى الرغم من الدعم الذي قدمه التيار لمحمود أحمدي نجاد، خاصة في دورته الرئاسية الأولى، إلا أن غياب الاتساق الفكري بل والتناقض بين الطرفين كانت أمورًا بادية للعيان في مواضع كثيرة.

  

قال منتقدو أحمدي نجاد: إن تياره "سعى إلى تدمير ثروة البلاد في أقصر مدة ممكنة، وألصق تهمًا كبيرة بشخصيات كبيرة، وأخلَّ باتفاقيات والتزامات إيران الدولية، وحصر علاقات إيران بعدد محدود من الدول الفقيرة، وأدخلها في مأزق دولي تلو الآخر". وحتى وقت قريب كان عدد من أصدقاء أحمدي نجاد ومؤيديه ينقلبون ضده وينتقدونه، لكن قاعدته الشعبية بقيت محافظة على نفسها في المناطق النائية والبعيدة، وبين المحرومين والفقراء بوجه خاص، ولعل ذلك وأسبابًا أخرى عديدة تدفع كثيرين اليوم إلى إعادة حساباتهم بشأن هذا التيار وأن يفكروا بالتحالف معه. مع دخوله السلطة، استطاع أحمدي نجاد أن يكسر حلقة الإدارة المغلقة، وتمكن من إضعاف جماعات النفوذ، التي كانت مسيطرة على الإدارات الإيرانية، ويفعل اليوم الأمر ذاته بكسر حلقة جماعات النفوذ في الحياة السياسية. وإذا ما سُمح لتيار أحمدي نجاد بخوض الانتخابات أو مُنع من الترشح بسيف مجلس صيانة الدستور، فستكون إيران على موعد مع كشف ملفات و"فضح" قضايا طالما هدَّد أحمدي نجاد بكشفها.

     

عودة قوية محتملة لأحمدي نجاد وتياره الربيعي (رويترز)
عودة قوية محتملة لأحمدي نجاد وتياره الربيعي (رويترز)

     

الحرس: الثورة والسياسة

خلال السنوات العشر لقيادة آية الله الخميني، وعلى الرغم من محاولات الحرس الانخراط في النشاط الانتخابي والسياسي، بقي مؤسس الجمهورية الإسلامية يعارض ذلك باعتباره مخالفًا لقيم الثورة، وظل حتى وفاته يعارض بشكل علني أي نشاط سياسي للعسكريين بما في ذلك الحرس الثوري، وكانت وصيته "يجب أن تسعوا بأن لا تدخل السياسة إلى ميدان القوات المسلحة، حتى تبقى البلاد بمأمن". يقول روح الله الخميني، موجهًا وصية بهذا الخصوص: "إن وصيتي القوية للقوات المسلحة أن تتصرف كما هي وفقًا لقواعد النظام، وعدم الانخراط في الأحزاب والجماعات والجبهات، وبشكل مطلق، يجب على القوات المسلحة، الحرس أو قوات التعبئة أو غيرها، ألا تدخل في أي حزب أو جماعة وأن تبقى بعيدة عن اللعبة السياسية.

  

يمكنهم بذلك الحفاظ على قوتهم العسكرية وجعلها محصنة ضد الخلافات بين المجموعات. ومن الضروري أن يمنع القادة الأشخاص الخاضعين لقيادتهم من دخول الأحزاب. ولأن الثورة لجميع الأمة، والحفاظ عليها واجب الجميع فإن الدولة والأمة ومجلس الدفاع والبرلمان واجبهم الديني والوطني أن يقفوا معارضين إذا أقدمت القوات المسلحة، على ما يتعارض ومصالح الإسلام والبلاد، أو الانخراط في الأحزاب أو اللعبة السياسية.. وعلى مجلس القيادة أن يمنع ذلك بحزم لتبقى البلاد مصونة من الأذى". لكن "الحدود السياسية الماضية تحطمت"، كما يقول محمد علي جعفري، ولم تعد ساحة السياسة محرمة على الحرس بل أصبحت ساحة من ساحاته التي يتحرك فيها وفق نص دستوري يعطيه "مهمة الحفاظ على الثورة".

  

تحمل تصريحات سابقة لمحمد علي جعفري يوم كان قائدًا للحرس الثوري في ندوة حملت عنوان: "الطالب، الانتخابات، المشاركة بالحد الأقصى والوحدة الوطنية" استضافتها جامعة تربيت معلم في طهران قبل سنوات، وتصريحات أخرى صادرة عن قادة الحرس، مؤشرات على رغبة تعتمل في صدر الحرس منذ سنوات بلعب دور سياسي بصورة علنية ومباشرة، يقول الجنرال جعفري: "اليوم، تحطمت الحدود السياسية الماضية.. ودعم التوجه الأصولي تكليف إلهي".

    

دور سياسي ينتظر الجنرال سليماني يخرجه من دائرة الجنرال الظل (الصحافة الإيرانية)
دور سياسي ينتظر الجنرال سليماني يخرجه من دائرة الجنرال الظل (الصحافة الإيرانية)

    

يريد الحرس أن يحوِّل نجاحه في الساحات الإقليمية والدفاعية إلى مكاسب سياسية، وقد تكون شخصية قائد فيلق القدس هي الأكثر تأهيلًا لقطف الثمار بما له من شعبية وحضور، ولا يمكن قراءة النشاط السياسي الكثيف للجنرال سليماني في السنة الأخيرة بعيدًا عن دور سياسي ينتظره، وقد تكون رئاسة الجمهورية هي مكان هذا الدور. 

  

خلاصة

تستمر حالة التدافع السياسي على الساحة الإيرانية، أما مخرجات هذا التدافع فستكون مختلفة متجاوزة للقطبية التي تشهدها إيران سياسيًّا منذ سنوات، وستشهد خروج شخصيات قوية كبيرة في السن من صف القيادة ليدخل غيرها من الفئة العمرية المتوسطة والشابة ممن يؤمنون بالأبعاد الثورية للجمهورية الإسلامية ويعتقدون بوجاهة حضورها ودورها الإقليمي، وبما ينسجم مع التصعيد الذي تشهده العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وإذا جاءت تركيبة مجلس الشورى القادمة بتركيبة تحظى برضى الحرس، وكان الرئيس القادم سليماني أو شخصية أخرى من الإطار ذاته، فيبقى أن يكتمل مثلث صف جديد من القيادة بمرشد يكون منسجمًا فكريًّا وسياسيًّا مع هذه التركيبة؛ ويبدو رئيسي هو الأوفر حظًّا على هذا الصعيد. وتكشف مقارنة أداء الرجل بعد توليه للسلطة القضائية بأدائه خلال أيام الانتخابات عن سعي دؤوب لصناعة صورة لرئيسي بما يتجاوز حدود السلطة القضائية.

—————————————————————–

هذا الموضوع مأخوذ عن مركز الجزيرة للدراسات.

المصدر : الجزيرة