شعار قسم ميدان

وباء البيروقراطية.. لماذا تأخرت الصين بالكشف عن حجم انتشار كورونا؟

ميدان - وباء البيروقراطية.. لماذا تأخرت الصين بالكشف عن حجم انتشار كورونا؟
مقدمة المترجمة

تعكس طريقة تعامل السلطات المحلية مع الأزمات في الصين، تفشي الفساد البيروقراطي في البلاد، لا سيما في أعقاب أزمة انتشار فيروس كورونا الحالي، حيث عمدت السلطات المحلية إلى التستّر على المؤشرات الأوليّة لانتشار الفيروس قبل شهر من تفشّيه في مدينة ووهان.

 

في هذا التقرير الهام الذي نشر يوم الخامس والعشرين من (يناير/كانون الثاني) الحالي؛ يسرد الصحافي الأميركي الصيني المخضرم "شانغ وي وانغ" التفاصيل الغائبة عن بداية انتشار الفيروس، ويشرح من وجهة نظره كيف أخفقت البيروقراطية الصينية في الإقليم في التعامل مع المرض على المستوى المطلوب، ويسرد بعض التفاصيل المحلية التي حدثت وساهمت في تفاقم الأمر في الداخل الصيني.

  

نص المادة

بعد قرابة 17 عاما على انتشار مرض الالتهاب الرئوي الحادّ "سارس" الذي بدأ في الصين وأزهق أرواح 800 إنسان حول العالم؛ ها هي البلاد تتأهب لأزمة صحية ضخمة من جديد. تقول الأنباء بأن السُلالة الجديدة من فيروس كورونا والتي بدأ انتشارها في مدينة ووهان بإقليم خوبي؛ تنحدر من عائلة فيروسات أدّت فيما مضى إلى انتشار سارس. كما أنها تنتشر بسرعة في أرجاء الصين وباتجاه أعداد متزايدة من البلدان والمناطق الأجنبية، ومن بينها هونغ كونغ، سنغافورة، اليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا. فتك الفيروس حتى اللحظة بأكثر من مائة شخص، وأصاب أكثر من 2800 مواطنًا صينيًا آخرين.

     

   

من المتوقع أن تزداد الأزمة سوءً مع ترافق انتشار الفيروس مع الاحتفال الصيني بالسنة القمرية الجديدة، في ظل تقديرات بقيام عشرات الملايين من الناس بثلاثة مليارات رحلة عبر البلاد لزيارة أقربائهم خلال فترة 40 يوما تمتد من 10 يناير الحالي وحتى 18 فبراير. وهذا الرقم لا يتضمّن حتى مئات آلاف من الأشخاص الذين سيختارون الذهاب إلى الساحل لقضاء العطلة.

 

مع تحذير المسؤولين الصينيين وخبراء الصحة من تطوّر الفيروس وانتشاره إلى مسافات أبعد، تصاعدت الشكوك حول محاولة الحكومة الصينية التستر على خطورة ونطاق انتشار الوباء كما فعلت عند اندلاع سارس، إلى جانب شكوك متزايدة حول مدى التزامها بالشفافية. مع أن هذه المخاوف متفهَّمة، لكنها لا تبدو مسوّغة هذه المرة بفضل التدابير الممتازة التي اتخذتها الحكومة الصينية للحد من انتشار المرض بدءًا من يوم 20 يناير والتي كانت نقطة تحول.

 

ذلك أن ردود الأفعال الرسمية على المرض قبل ذلك اليوم تكشف عن منعطف هام في التعامل مع الأحداث بعد هذا التاريخ، منعطف أثار تساؤلات بشأن ما إذا كان المسؤولون المحليّون في ووهان وحتى بعض مسؤولي القطاع الصحي قد حاولوا عمدًا إخفاء خطورة المرض في مراحله الأولى، أو إذا ما كانت المحاولة الأولى للتستر عليه قد تسببت بخفض إجراءات حماية ووقاية المختصين الطبيين وساعدت في انتشار الفيروس.

     undefined

  

يُلقي الأمر الضوء أيضا على كيفية تعامل البيروقراطية الصينية والإعلام مع الأزمات في فترة تقوم فيها القيادة الصينية بإحكام قبضتها على المجتمع بكل السبل. كما أن الانتشار الأخير للمرض يظهر ضرورة أن تتخذ الحكومة الصينية المزيد من التدابير الفعالة لحظر تناول الحيوانات البرية، أو حتى بيعها، بما أنها، مرة أخرى، متهمة بنقل آخر نسخة من فيروس كورونا إلى البشر، كما حدث عند انتشار سارس.

 

وفقا للبيانات الإعلامية الصينية، فقد بدأت الحالات الأولى من الالتهاب الرئوي التي ثبت لاحقا أن المتسبب بها فيروس كورونا بالظهور في أواسط ديسمبر/ كانون الأول الماضي في سوق للأطعمة البحرية في ووهان والذي يحتوي أيضا على أكشاك لبيع الحيوانات البرية. أُغلق سوق المأكولات البحرية هذا في الأول من الشهر الحالي بعد قيام لجنة الصحة القومية بإرسال فريق من الخبراء والمسؤولين للتحقيق في الأمر، وذهبت استنتاجاتهم الأولية بعد أسبوع، أي في الثامن من الشهر إلى أن المسبب المرضي للإعياء الغامض هو الفيروس.

 

برغم مزاعم المسؤولين المحليين ومسؤولي القطاع الصحي القومي بأنهم بدأوا في الإفراج عن المعلومات المتعلقة بالمرض بوتيرة يومية بدءً من يوم 31 ديسمبر الماضي بشأن الحالات المؤكدة وغير المؤكدة للالتهاب الرئوي؛ رغم ذلك فإن الانتقائية في تحديد نوعية المعلومات التي ينبغي نشرها ومحاولة التستر على إمكانية انتقال الفيروس من إنسان لآخر كانت واضحة جدا.

   

في خضم إشارات متزايدة بأن الفيروس الجديد يمكن أن يكون معديا؛ فقد استمر المسؤولون في ووهان بالادعاء أن كل شيء طبيعي
في خضم إشارات متزايدة بأن الفيروس الجديد يمكن أن يكون معديا؛ فقد استمر المسؤولون في ووهان بالادعاء أن كل شيء طبيعي
   

على سبيل المثال فشل المسؤولون المحليون في الكشف عن معلومة تقول بأن أحد المرضى الخاضعين لعملية جراحية عصبية في أحد المشافي المحلية قد تسبب بنقل الالتهاب الرئوي إلى طبيب واحد و13 ممرضة، وأُجبر هؤلاء على تأكيد الحالة فقط عندما قام زونغ نانشان، وهو أحد أبرز أخصائيي الأجهزة التنفسية في الصين؛ بالكشف عن الأمر في مقابلة تلفازية يوم 20 من يناير الحالي. وفي الواقع، فقد حاول المسؤولون المحليون في البداية قمع النقاشات الآخذة في الانتشار حول المرض عبر الانترنت بتوجيه أوامر للشرطة بتعقب وإنذار 8 مواطنين تحب الصين تسميتهم بالـ "خارجين عن القانون" بسبب نشر معلومات غير مؤكدة حول المرض، ووجهت تحذيرات لآخرين من الانقياد وراء الشائعات أو نشرها.

 

حتى في خضم إشارات متزايدة بأن الفيروس الجديد يمكن أن يكون معديا؛ فقد استمر المسؤولون في ووهان بالادعاء أن كل شيء طبيعي، والسماح بإقامة شعائر أحد التقاليد المحلية يوم 18 يناير لحوالي 40.000 أسرة جلبت معها أطباقا لتناول الطعام جماعيا في الأماكن العامّة المزدحمة. في اليوم التالي، 19 يناير، نقل إعلام الدولة عن مسؤولي الصحة القومية ادعائهم بأن السيطرة على المرض ومنع حدوثه أمور «ممكنة»، برغم اعترافهم بالعجز عن تحديد مصدر الفيروس أو كيفية انتقال المرض من إنسان لآخر.

 

لكنّ الاستقرار تبدد بعد يوم واحد فقط عندما نادى الرئيس شي جينبينغ باتخاذ تدابير فعالة صارمة لاحتواء وتيرة انتشار المرض، قائلا إن حيوات الناس وصحّتهم ينبغي أن تعامل كأولوية قصوى. وبحلول الوقت الذي نشرت فيه هذه التعليمات الصارمة على الملأ، كانت الحالة المؤكدة من الإصابة بالمرض قد قفزت من بضعة عشرات في ووهان إلى حوالي 200 إصابة في بلديات وأقاليم صينية أخرى، إلى جانب إبلاغ اليابان، كوريا الجنوبية، وتايلند كذلك عن أولى الحالات القاطعة من الإصابة بالمرض.

   undefined

  

منذ ذاك سارعت بيروقراطية البلاد للإعلان عن حزمة من التدابير التي تتضمن تشكيل قوة عمل مشتركة للوقاية والسيطرة تتضمن 32 مديرية، ورفع مستوى التغطية الإعلامية من قبل وسائل إعلام الدولة. وسارعت السلطات في مشاركة المعلومات مع منظمة الصحة العالمية والبلدان الأجنبية حيث تأكد أو اشتبه بوجود الحالات، وقامت مدينة ووهان، التي يفوق تعدادها السكاني 10 ملايين نسمة، بإلغاء أحداث عامًة وتثبيت معدات لقياس الحرارة في مراكز المواصلات العامة قبل إغلاقها الثلاثاء الفائت، ومنع المقيمين في المدينة من المغادرة والزوار من القدوم إليها.

 

بالنسبة إلى أولئك الأشخاص الذين خاضوا تجربة انتشار سارس، فلا بد من أن طريقة استجابة الحكومة الصينية تمثل لهم هذه المرة تقدمًا ملحوظًا، بالنظر إلى أن الأمر تطلب السلطات أقل من شهر واحد للاعتراف بالأزمة. قبل 17 عاما، شُخصت أولى حالات سارس في غوانغ دونغ في شهر نوفمبر عام 2002 لكن المسؤولين قرروا إخفاء المعلومة عن الناس حتى شهر فبرايرعام 2003 ولم تعترف الحكومة تماما بشأن الوباء حتى 20 أبريل، وتسبب ذلك بإقالة كل من وزير الصحة وعمدة بكين، واعتذرت الحكومة لاحقا عن طريقة تعاملها مع المرض وعن البطء في الإبلاغ عن انتشاره، وتعهدت للمواطنين بتحسين مستوى استجابتها القومية للطوارئ.

 

يوم الأربعاء الماضي، في أول مؤتمر صحفي حول الأزمة الجارية، أنكر المسؤولون والخبراء في لجنة الصحة الوطنية اتهامات بالإبطاء في نقل المعلومات بالقول أنهم تصرفوا على وجه السرعة للإعلان عن المعلومات المهمة لكن الأمر تطلبهم بعض الوقت قبل إدراك مدى خطورة المرض. لكن تسارع الإجراءات في الأيام القليلة الماضية جعل ردود الأفعال الرسمية التي تمت قبل أسبوع من الآن تشي بأشياء كثيرة بلا شك.

   

ما من شك بأن تعليمات
ما من شك بأن تعليمات "شي" ستسرع من الاستجابة الإجمالية للأزمة؛ فالتصرف بسرعة وحزم وتعزيز الشفافية أمور عظيمة بما أن مصداقية الصين وشرعية الحكومة باتت على المحك
   

فبرغم الدروس القاسية مما حدث قبل 17 عاما؛ لا ينبغي أن تشكل الاستجابة الأولية البطيئة من قبل المسؤولين في ووهان أي مفاجأة لنا، لا سيما وأن النزوع لإخفاء كارثة ما أو التستر عليها سلوك متأصل بعمق في البيروقراطية الصينية، بالأخص وأن أي عرقلة لاحتفالات السنة القمرية، وهي أهم عطلة في الصين، يمكن أن تأتي بانعكاسات حقيقية على السيرة المهنية للمسؤولين. وما يثير السخرية هو أن الجهود الحثيثة من القيادة الصينية للمطالبة بمحاسبة البيروقراطية والتوعد بإنزال أقصى العقوبات بأولئك الذين يتهربون من المسؤولية قد ساهما بنزوعهم لتستر أكبر على الكوارث. وآخر الأمثلة ما حدث يوم الثلاثاء الماضي عندما أبلغت وكالة شينوا الصينية للأنباء بأن إقليم هان نان المجاور قد قام بمعاقبة 29 مسؤولا محليا بسبب التستر على انفجار في مصنع للألعاب النارية في ديسمبر المنصرم تسبب بمقتل 13 من عمّاله وجرح 13 آخرين.

 

لكن الأهم من ذلك أن توطيد الرئيس "شي" لسلطته وحثه المزيد من المسؤولين على مصارحة قادة آخرين في الحزب بشكل تام قد أديا أيضا لتعزيز النزوع لتجنب اتخاذ أي قرارات مهمة والانتظار لحين صدور تعليمات محددة من قادة الحزب. كما أن القبضة الأشد إحكاما على الإعلام تعني إحباط عمل الصحافة الاستقصائية والالتزام بالخطوط العريضة التي يحددها الحزب، مما يجعل تصاعد الأصوات المعارضة عملية صعبة.

 

لكن ما من شك بأن تعليمات "شي" ستسرع من الاستجابة الإجمالية للأزمة؛ فالتصرف بسرعة وحزم وتعزيز الشفافية أمور عظيمة بما أن مصداقية الصين وشرعية الحكومة باتت على المحك مرة أخرى.

—————————————————————

هذا التقرير مترجم عن scmp ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة