شعار قسم ميدان

رسالة آبل لمستثمريها.. هل تستعد الشركة لكارثة مالية؟

ميدان - تيم كوك آبل

إذا ما كانت الأشهر الأخيرة من عام 2018 مليئة بأخبار شبكة فيسبوك وفضائحها، فإن الأيام الأولى من 2019 هي ملك لشركة آبل دون مُنازع، الشركة التي خسرت أكثر من 300 مليار دولار أميركي من قيمتها خلال الربع الأخير من العام الفائت، وقامت مع بداية العام الجديد بخفض توقّعاتها حول مبيعات هواتف آيفون بنسبة 8٪ تقريبا، الأمر الذي دفع الجميع لاعتبار أن النهاية اقتربت للشركة التي لم تُقدّم أي جديد يُذكر في مجال الأجهزة الذكية منذ الكشف عن فئة الساعات الذكية، ورُبّما السمّاعات الذكية.

  

ضربة استباقيّة

مع نهاية كل ربع مالي خلال السنة الميلادية، تُصدر الشركات تقريرا مُفصّلا حول أدائها المالي خلال تلك الفترة مع توقّعاتها الخاصّة للربع المُقبل، وهذا لإرضاء المُستثمرين من جهة، وكنوع من الشفافيّة من جهة أُخرى. وخلال النتائج المالية الأخيرة التي شاركتها آبل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018، توقّعت الشركة مبيعات عاديّة لهواتف آيفون خلال الربع المُقبل، ذاكرة في الوقت نفسه أنها قد لا تقوم مُستقبلا بمُشاركة الأرقام التفصيلية لمبيعات آيفون، وستكتفي بذكر إجمالي مبيعات الأجهزة الذكية(1).

 

أدّت تلك الأخبار إلى مجموعة من الهزّات الارتداديّة في سوق الأوراق المالية أدّى إلى انخفاض سعر سهم آبل مُباشرة، الأمر الذي أدّى مع مرور الوقت إلى خسارة الشركة لأكثر من 300 مليار دولار أميركي من قيمتها. "كوك" قرّر صبّ الزيت على النار، وهذا عبر رسالة للمُستثمرين نُشرت مع بداية العام الميلادي الجديد يتحدّث فيها عن توقّعات بتراجع مبيعات هواتف آيفون، خافضا بذلك سقف التوقّعات للمرّة الثانية لتشتعل شبكات التواصل الاجتماعي من جهة، وأسعار أسهم الشركة من جهة أُخرى(2).

    

   

رسالة "كوك" لم تكن مُقتضبة أبدا، فهو فسّر الأسباب وراء خفض التوقّعات ومنها الاضطرابات السياسية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، السوق التي تسعى آبل لوضع قدم فيها، والتي أفردت لها مزايا حصرية مثل دعم شريحتي اتصال في هواتف آيفون، إلا أن سعر هواتف آيفون الصادرة في 2018، بعد إضافة الضرائب الصينية، يُصبح مُرتفعا جدا في سوق فشلت سامسونغ في المنافسة فيه بهواتفها الرائدة في ظل وجود مجموعة كبيرة من الشركات على رأسها هواوي و"شاومي" (Xiaomi)، إضافة إلى "فيفو" (Vivo) و"أوبو" (Oppo)(3).

 

ولإحقاق الحق، فإن إستراتيجيّة آبل تمثّلت في دخول الأسواق الكبيرة، بداية من الصين متبوعة بالهند، إلا أن أسعار هواتفها شكّلت عائقا منع دخولها من الباب الكبير. وإلى جانب مُبادرات تقسيط آيفون على دفعات شهرية في الصين، حاولت آبل إنتاج "آيفون 6" في الهند أملا في التخلّص من الضرائب المُضافة وبيع الجهاز بسعر مُناسب، الأمر الذي لم يأتِ بثماره حتى اللحظة بسبب ترنّح الدولة في اتخاذ القرار المُناسب حول الضرائب المفروضة على الشركات الأجنبيّة.

 

تخبّط الحكومة الهندية لم يُبعد آبل عن هدفها، فالشركة التي بلغت قيمتها في يوم من الأيام أكثر من تريليون دولار أميركي تُعتبر كيانا كبيرا يُمكن أن يُشكّل ضربة لو انسحبت من السوق الهندية احتجاجا على مُمارسات الحكومة. لكن حاجتها إلى ذلك السوق أنساها كبرياءها ودفعها حتى للتفكير في إنتاج هواتف آيفون "إكس آر" (Xr) و"إكس إس" (Xs) هناك أملا في كسب ودّ شريحة أكبر من المليار نسمة التي تعيش هناك(4).

 

 

مصادفة مُدبّرة

كانت جميع المؤشّرات تُظهر سير آبل الواثق في هواتف آيفون على الرغم من تأخّرها الدائم في تقديم أحدث التقنيات. تلك الثقة اهتزّت بعدما رصد أحد المُستخدمين وجود تغيّر في أداء البطاريّة والمعالج بشكل مقصود بعد إطلاق الإصدار 10.2.1 من نظام "آي أو إس" (iOS)، فالشركة وبشكل صامت قدّمت أداة تقوم برصد وجود أداء غير طبيعي في البطاريّة لتقوم على إثره بتقليل سرعة المعالج لضمان عدم توقّف الجهاز عن العمل بشكل مُفاجئ(5).

 

أثارت تلك الخطوة غير المُعلنة عاصفة من الانتقادات والإشادات في الوقت نفسه، فالبعض اعتبر أن الشركة تهدف لجعل أداء الأجهزة أبطأ لدفع المُستخدمين إلى تغيير أجهزتهم بشكل دوري. بينما رأى البعض الآخر أن تلك الخطوة تسعى إلى زيادة عمر الجهاز وفترة استخدامه. ولإزالة الجدل، أطلقت الشركة مُبادرة سمحت على إثرها لمُستخدمي بعض هواتف آيفون بتغيير البطارية خلال 2018 لقاء 29 دولارا أميركيا فقط عوضا عن 79 دولارا(6). لعبت الشركة دور الملاك مرّة جديدة بعدما أعلنت أن "آي أو إس 12" هو إصدار سيُركّز على تحسين الأداء فقط لا غير وسيجعل جميع هواتف آيفون، حتى تلك الصادرة قبل أربعة أعوام، تعمل بشكل مثالي دون مشاكل، وهو أمر صدقت فيه إلى حد ما بعد أكثر من أربعة أشهر منذ وصوله للعموم.

 

ضبط سرعة المعالج بناء على أداء البطاريّة، واستبدالها بسعر مُخفّض، إضافة إلى تحسين الأداء في الإصدار الثاني عشر من نظام تشغيل آبل، موجة ركبها "كوك" في رسالته للمُستثمرين، فهو أكّد أن المُستخدمين لم يعودوا بحاجة إلى استبدال هواتفهم القديمة لأنها من ناحية الأداء لا تزال مُتميّزة وتفي بالغرض، الأمر الذي تسعى آبل إلى توفيره طوال الوقت.

 

 

تراجع التحديث للهواتف الجديدة لم يكن سببه الهواتف القديمة فقط، فآيفون "إكس إس" و"إكس إس ماكس" (Xs MAX)، رفقة "إكس آر"، لم ترتقِ مبيعاتها للمُستوى المطلوب أيضا، وهذا لأنها على أرض الواقع لم تُقدّم ما هو جديد، فباستثناء الشاشة الأكبر في "إكس إس ماكس" وتحديث المعالج والكاميرا، لم تُقدّم تلك الأجهزة أي جديد يُذكر، وبالتالي لم يُقدم مُستخدمو آيفون "إكس" مثلا على التحديث خصوصا بعد النظر إلى الأسعار التي تبدأ من 1000 دولار أميركي. أما هواتف "إكس آر"، فهي حكاية لوحدها لأن من يقوم بشراء آيفون يسعى للحصول على أفضل المزايا، والتوجّه إلى أنصاف الحلول غير مُحبّب، خصوصا وأن سعره يبدأ من 750 دولارا أميركيا.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن سامسونغ عانت من المشاكل نفسها مع أجهزة "غالاكسي إس 9" التي جاءت كتحديث بسيط على "غالاكسي إس 8″، إلا أن أجهزة "نوت 9" حفظت ماء وجهها خلال 2018 في فئة الأجهزة الرائدة وساهمت في تحقيقها لمبيعات قياسيّة في تاريخ الشركة فيما بعد(7)(8).

 

وقفت مجموعة من الأحداث العشوائية في تاريخ آبل في صفّها هذه المرّة لتبدو رسالة "كوك" منطقيّة وتستند إلى أُسس عمليّة لا يخدع بها المُستثمرين، خصوصا بعد النظر إلى الأرقام التي تنتظرها آبل، فهي تتوقّع 84 مليار دولار أميركي كعائدات خلال الربع المالي الأول من 2019، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى، دعمت آبل موقفها بنسبة نمو أرقام قطاعات أُخرى بدون آيفون، والتي بلغت 19٪ مُقارنة بالفترة نفسها خلال العام الماضي، يُضاف إليها مبيعات قياسية في متجر التطبيقات خلال فترة الأعياد تجاوزت حاجز الـ 1.2 مليار دولار أميركي(2)(9).

 

وبعد أخذ جولة سريعة على قطاع الخدمات الذي جلب 11 مليار دولار أميركي تقريبا مع نمو مبيعات الأجهزة الذكية القابلة للارتداء بنسبة 50٪ مُقارنة بالعام الماضي، يُمكن التأكّد من أن ما يحدث حاليا هو مُجرّد مطبّات هوائية لا بُد منها لتنويع مصادر الدخل التي اعتمدت لفترة طويلة جدا على آيفون فقط، فالشركة تمتلك سيولة نقدية لا تقل عن 300 مليار دولار أميركي، وتتجاوز قيمتها حاجز الـ 670 مليار دولار أميركي أيضا(10).

المصدر : الجزيرة